كتاب على عتبات الحضارة - بحث في السنن وعوامل التخلق والانهيار

للمستقبل (¬1)، وفعالية التأثير في الواقع. فالتاريخ يعيد نفسه من خلال انتظام القوانين، ولا يعيد نفسه في الأحداث التاريخية نفسها (¬2).
- على الرغم من أن بعض القائلين بهذه النظرية يعطلون الإرادة الإنسانية في مواجهة الصيرورة الزمنية والحتم التاريخي واطّراد القوانين (¬3)، فإن الذي نؤمن به، وإليه تميل آراء بعض المفكرين، وتثبته حقائق التاريخ، أن الإرادة الإنسانية توجّه التاريخ وتصنع أحداثه ضمن نظام من القوانين، وبالدرجة التي تتفهم فيها الذات الحضارية هذه القوانين وتستجيب لها بالفعل المؤثِّر، لا بالانفعال السلبي، وبذلك تقود القوانين وتوجهها بإرادتها (¬4).
- الحركة تحتاج إلى طاقة محرِّكة حتى تبلغ مستوى الفعالية، والطاقة إن لم تحظَ بحافز ينعشها فستُستنفَد وتتخامد، وترتدّ،
¬_________
(¬1) يرى مكيافلي أن "من شاء أن يتنبأ بالمستقبل فعليه أن يرجع إلى الماضي؛ لأن الأحداث البشرية تشابه دائمًا أبدًا أحداث الأزمنة الماضية. ومنشأ هذا التشابه أنها ثمرة أعمال خلائق كانوا، ولا يزالون؛ وسيكونون على الدوام، تحركهم العواطف والانفعالات نفسها، ولهذا فإن هذه العواطف والانفعالات لا بد أن تكون النتائج نفسها"، ديورانت، ول: قصة الحضارة، 21/ 57.
(¬2) وعلى ذلك يسقط الفهم المغلوط لقضية التكرار الحرفي للتاريخ، وتفسيرها من خلال الأحداث لا فعالية القانون، أو نفي الانتظام أصلاً، ينظر: مؤنس حسين: الحضارة، ص184، 188 وما بعد.
(¬3) مونتسكيو، وإشبنجلر. ولذلك فهما يؤوّلان إبداعات العباقرة والقادة بأنها تحقُّق لروح العصر في الأفراد. ديورانت، ول: قصة الحضارة، 36/ 156.
(¬4) يقول محمد عبده: ومن سار على سنن الله ظفر بالفوز وإن كان ملحدًا أو وثنيًا، ومن تنكّبها خسر وإن كان صدّيقًا أو نبيًا، عبده، رضا: تفسير المنار، 4/ 141 في تفسير الآية: قد خلت من قبلكم سنن، آل عمران/137.

الصفحة 20