كتاب على عتبات الحضارة - بحث في السنن وعوامل التخلق والانهيار

السيطرة عليه.
- كل فكرة تحوي داخلها نقيضها كما يقول هيجل، وقوة الحركة تمنح الفكرة إمكانية استيعاب بعض القيم المناقضة لها، واحتوائها، وخلق حالة من التوازن ضرورية لترفد، بالتالي، الحركة نفسها، وعندما تضعف طاقة الاندفاع تتضخم السلبيات التي كُرِّست في الأصل لتدعم الفكرة وتحمي النظام على حساب الفكرة والنظام، وتكون أسافين تدق في نعش الحضارة المنهارة (¬1). ما يعني أن بعض القيم لا تحمل قيمة في ذاتها، وإنما قيمتها من توظيف الإنسان لها وسيطرته عليها (¬2).
- للحضارات محطات ومراحل تبدأ بالطفولة وتمر بالشباب ومن ثم
¬_________
(¬1) يصح في هذه الحال مثال دلو الماء الدائر حول مركز، فلا ينسكب الماء ما دامت الحركة مستمرة في توليد قوتي الطرد والجذب، ومحافظة على التوازن بينهما.
(¬2) استعانت الحضارة الإسلامية بمفاهيم: الولاء والطاعة والاتباع .. لصياغة المنظومة الأخلاقية والاجتماعية والشكل السياسي للأمة، فتحولت هذه المفاهيم مع ضعف الحضارة إلى عوامل فرقة وعصبية وصنمية ترفضها أصول تلك الحضارة. في الطرف المقابل عاب مكيافلي على الديانة المسيحية أنها تدعو إلى اللين والرقة .. تلك الفضائل التي وصفها بالنسوية، واعتبرها مسؤولة عن ضعف الدول الأوروبية، على الرغم من أن المسيحية كانت هي الحافز الأقوى والمحرض الرئيس للحروب الصليبية التي استطاعت أن تحرك عامة الغرب لاجتياح العالم الإسلامي القوي آنذاك وتشغله بحروب طويلة الأمد، ديورانت: قصة الحضارة، 21/ 60 - 61، 72 - 73. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نتوقع تشظي الغرب إلى ثقافات ودويلات متصارعة بسبب من عوامل الشك والحرية والمصلحة التي كانت من أبرز الدوافع للنهضة الغربية.

الصفحة 22