كتاب على عتبات الحضارة - بحث في السنن وعوامل التخلق والانهيار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬ __________
= وعلة محافظة المصالح والإنجازات على اندفاعهما بعد افتراقهما عن القيم أمور: أولها عام تشترك فيه التجارب الحضارية المختلفة، أقصد به قوة التراكم التي تمنح الإنجازات طاقة ذاتية تأخذ بالتخامد إن لم يتوافر لها مولّد طاقة يجدّدها. وثانيها أن المصالح والإنجازات يتبادلان المنفعة فيما بينهما، وتمثل هذه المنفعة الدافع المشترك في كليهما، ولذلك سيدعم أحد الطرفين الآخر في توليد الطاقة اللازمة للتحقق. وثالثها خاص بالحضارة الغربية وهو الأخلاق النفعية التي حاولت الفلسفة الغربية أن تحلّ بها معضلة فصل الدين عن الحياة العملية .. ولكن هل سيتابع مؤشرا المصالح والإنجازات اندفاعهما متحررين من القيم إلى ما لا نهاية؟! هناك احتمالان متوقعان: الأول أن تؤدي استطارة التضخّم في الطرفين إلى اصطدامهما نتيجة التعارض الحادّ في طبيعة المصالح التي توفرها الإنجازات؛ فمثلاً تحتّم مصالح الأقلية المبدعة للإنجازات العلمية المرتبطة حتمًا بالمال، أضرارًا اجتماعية وأخلاقية متفاقمة يعاني منها أواسط الناس وفقراؤهم، ما يعني احتكار المصالح في يد أقلية مستفيدة فقط. والثاني أن يؤدي افتقار المصالح إلى الضابط القيمي إلى تفريغ الإنجازات من أساسها المصلحي، أي تعطيل الدافع إلى تحققها وتطورها، والنتيجة تخلّفها؛ وهذا ما نلحظه في انصراف كثير من أبناء الغرب عن العلم غير المضبوط بأخلاق أو غايات نبيلة، وعدم إيمانهم به لوعيهم بالآثار المدمرة له. وتكون العاقبة انهيارًا شاملاً مفاجئًا غير محسوب نتيجة تصادم النقائض المتضخّمة، أو انحلالاً خفيًا تدريجيًا نتيجة تقلّص الطاقة الدافعة حتى تلاشيها. والاحتمال الأرجح من وجهة نظري هو - والله أعلم - الأول؛ لأن خصّيصة التطرّف التي تغلب على العقل الغربي لا تؤدي إلا إلى نتائج ثورية ومفاجآت انقلابية مضرّجة بالدماء غالبًا، تشهد على هذا الأحداث الكبرى في التاريخ الغربي؛ كالثورة الجمهورية الإنكليزية، والثورة الفرنسية، والثورة البلشفية ..
- تدخّلت الفكرة الحضارية الغربية في تأمين القوة الاقتصادية اللازمة لحركة العلوم وتطوير تطبيقاتها العملية، حيث حفزت الروح العلمية رحلات الكشوف التي أمّنت مصادر مالية ضخمة للمجتمعات الغربية، ولكن قبل مرحلة الإقلاع =

الصفحة 54