كتاب على عتبات الحضارة - بحث في السنن وعوامل التخلق والانهيار

تعادي الإصلاح وتأنس للسكون وعدم التغيير وكل ما قد يجرّ عليها تضحيات ومعاناة غير مجدية.
- في الوقت الذي تتشارك فيه شرائح الأمة التعرض لرياح الانكسار المتعاقبة، فإن خللاً إضافيًا يشكل معول هدم غائرًا في ذلك اليقين الآخذ في النضوب، هذا المعول هو القادة أنفسهم، ونعلم أن الأمة قد استمدت قوة الإيمان بالفكرة عندما تجسدت في نماذج بشرية ريادية حية تعايش ظروف الأمة وتشاركها محنها وإمكاناتها البشرية نفسها، فإذا اهتزّ هذا المثال المعلِّم للأمة فإن الإيمان المتولِّد عنه يهتزّ، وكثر ما لعبت بالأمة الخيبة لممارسات غير مسؤولة من قبل قياداتها؛ الفكرية أو السياسية طبعًا، لتفقد الإيمان وتتوه في الفوضى والشك، وينبت المتعالمون والانتهازيون، يتطاولون في تنافس يعمّق البلبلة المتعاظمة.
- تغيب وراء الحركة الهدّارة للصيرورة الزمنية وأعراضها المباشرة أخماجٌ فطرية تمثّل العلة الدقيقة المفنية للحضارة، المعطِّلة للأمة عن الفاعلية، لعل أخطرها تغيّر الخصائص النفسية والاجتماعية للجيل حامل الفكرة الحضارية وحاميها وممثّلها، وهذا ما سنتكلم عليه في الفقرة اللاحقة بالتفصيل إن شاء الله، ولكن الذي يعنينا هنا، أن الفكرة الحضارية القوية التي تمتلك جذورًا عميقة في الحياة والأمة، وسندًا فعالاً من القيم والمصالح، تأبى أن يمثلها جيل أو عصبية قائدة ضعيفة فسدت بنيتها الداخلية وتشوّهت خصائصها النفسية، وعجزت عن حمل تبعات تلك الفكرة وتخلّت عن مسؤوليتها تجاهها، وتستبدِل - أي الفكرة - بها عصبية قوية من الأمة نفسها تحمل خصائص رجل

الصفحة 69