كتاب على عتبات الحضارة - بحث في السنن وعوامل التخلق والانهيار
الفطرة - بمصطلح ابن خلدون - لتشكّل فقرة جديدة من فقرات التاريخ المفصلي لتلك الحضارة (¬1). أما إذا ضعفت الفكرة وانسحبت من الحياة، وتكرّست خصائص الانحطاط النفسية، فإن الخطر المحتمل هو أن يُستبدَل بالأمة عصبيةٌ من خارجها، إلا أن يتمّ تجديد الفكرة الحضارية وإعادة نبض الحياة إليها وتخصيبها على مستوى الحياة والواقع والإنسان (¬2).
- بما أن التعرض لمؤثرات الانهيار عامّ، وأنها تخلّف الترهّلات النفسية ذاتها، فإن الاستعلاء عليها عمل استثنائي، ولما كان في إمكان طبقة القادة أن تحرّك الأمة في الإقلاع الحضاري، فإنّ في إمكانها في أية مرحلة من مراحل الحضارة تخطّي تيار الانهيار المتحدّر، وتنشيط انطلاقة دورة حضارية داخلية داعمة تمدّ في عمر الحضارة، وتجدّد شبابها المتصرِّم. ولا فرق في أن تكون تلك القيادة سياسية أو فكرية
¬_________
(¬1) "إن الملك إذا ذهب عن بعض الشعوب من أمة فلا بد من عوده إلى شعب آخر منها ما دامت لهم العصبية"، ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون - المقدمة، 1/ 182.
(¬2) عرفت الحضارة الإسلامية عصبيات قبلية وعرقية متعددة؛ أموية، وعباسية، وكردية، ومملوكية، وعثمانية .. استطاعت أن تحمل الفكرة الحضارية، وتشكّل الصيغة السياسية لها في حقب متعاقبة، فأسهم ذلك في تجديد عمر الحضارة مع كل دورة، وكانت الدافعة العصبية والعرقية حاملاً قويًا من حوامل تلك الحضارة أسهم إسهامًا جذريًا في إحياء فكرتها وتجديدها ومدّ عمرها ليكون لها هذا العمق في التاريخ .. أما الحضارة الغربية فقد تداولت فكرتها الحضارية عدةُ عصبيات قومية؛ إيطالية، وإسبانية، وفرنسية، وإنكليزية، وألمانية، وروسية شيوعية، وأمريكية، خصّبت الفكرة وأنقذتها من أخطائها وأوضار ضعفها.
الصفحة 70
96