كتاب على عتبات الحضارة - بحث في السنن وعوامل التخلق والانهيار

مغلوطة وممارسات خاطئة. وتتحدد مسؤولية قادة التصحيح في الاشتغال على البنية الفوقية للأمة، وتعديل تصوراتها وتصويب معتقداتها والمغلوط من مفاهيمها، والنهوض بوعيها، وزرع الإيمان والثقة فيها، وتضخيم مواطن القوة فيها، وإبراز الإمكانات الإيجابية وتأكيدها بوصفها خيارًا ممكنًا، وتجسيدها في نماذج قابلة للتمثّل والمحاكاة، بدءًا من القادة أنفسهم، لتكون الأمة بذلك جديرة بالانخراط في حركة التغيير، قادرة على دفعها.

3 - انحراف التكوين السويّ للشخصيّة الفعّالة:
يتكلم توينبي على نوعين من التفكّك الحضاري؛ التفكك الرأسي، والتفكك الأفقي (¬1). ويقصد بالتفكك الرأسي التفكّك السياسي المعروف، أما التفكّك الأفقي فهو الانحلال الداخلي للأمة الذي يشكل الخطر الحقيقي الذي تواجهه الحضارة ويجعلها في حالة عجز، لأنه لا يتوقف عند حدّ التفكك الطائفي والملّي والطبقي، بل هو يتجاوزه إلى تحلّل عميق يصيب الشخصية الإنسانية بالوهن، والروح بالشيخوخة، ويحرّف خصائص الأمة؛ النفسية والخلقية، فتغدو عاجزة بعد أن كانت فاعلة تدير عجلة التاريخ!! وإن فرويد وهو بسبيله إلى اقتراح علم نفس حضاري يؤكد أن الحضارات تصاب بأمراض عصابية جماعية شأنها في ذلك شأن الأفراد تمامًا (¬2).
¬_________
(¬1) توينبي، أرنولد: مختصر دراسة للتاريخ، 2/ 151.
(¬2) فرويد، سيجموند: الحب والحرب والحضارة والموت، ص106 وما بعد. ويبدو أن كتاب العقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط لمحمد حسنين هيكل يستضيء بهذه الرؤية.

الصفحة 74