كتاب أيسر التفاسير للجزائري (اسم الجزء: 1)

{فَلا تَأْسَ} : لا تأسف ولا تحزن.
{هَادُوا} : اليهود.
{وَالصَّابِئُونَ} : جمع صابئ، وهم فرقة من أهل الكتاب.
معنى الآيات:
في الآية الأولى (67) ينادي الرب تبارك وتعالى رسوله معظماً له بقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} المبجل ليأمره بإبلاغ ما أوحاه إليه من العقائد والشرائع والأحكام فيقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} . ويقول له: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} أي: إن قصرت في شيء لم تبلغه لأي اعتبار من الاعتبارات {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أي: فكأنك لم تبلغ1 شيئاً، وقوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ2 مِنَ النَّاسِ} أي: يمنعك من أن يمسوك بشيء من الأذى، ولذا فلا عذر لك في ترك إبلاغ أي شيء سواء كان مما يتعلق بأهل الكتاب أو بغيرهم، ولذا فلم يكتم رسول الله شيئاَ مما أمر بإبلاغه البتة. وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} تقرير لوعده تعالى بعصمة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ هو تعالى لا يوفق الكافرين لما يريدون ويرغبون فيه من أذية رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما نزلت هذه الآية قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحرسوني فإن الله قد عصمني" هذا ما دلت عليه الآية الأولى، أما الآية الثانية (68) وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ 3 رَبِّكُمْ} لقد تقدم هذا السياق وأعيد هنا تقريراً له وتأكيداً وهو إعلام من الله تعالى أن اليهود والنصارى ليسوا على شيء من الدين الحق ولا من ولاية الله تعالى حتى يقيموا ما أمروا به وما نهوا عنه وما انتدبوا إليه من الخيرات والصالحات مما جاء في التوراة والإنجيل والقرآن أيضاً. وقوله تعالى: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} هذا إخبار من الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن كثيراً من اليهود والنصارى يزيدهم ما يوحي الله تعالى إلى رسوله وما ينزله عليه في كتابه من أخبار
__________
1 في الآية رد على الرافضة القائلين: بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتم شيئًا مما أمر بإبلاغه تقية وكذبوا ورب الكعبة قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لو كان في إمكان الرسول أن يكتم شيئًا لكتم: {عَبَسَ وَتَولّى} إذ هي عتاب له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه المدينة ليلة فقال: " ليت رجلاً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة" قالت: فبينما كذلك سمعنا خشخشة سلاح فقال: "من هذا" قال سعد بن أبي وقاص. فقال له: "ما جاء بك" فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجئت أحرسه. فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم انصرف ونزلت هذه الآية.
3 قال ابن عباس رضي الله عنهما: جاء جماعة من اليهود إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: ألست تقر أن التوراة حق من عند الله. قال: "بلى" فقالوا: إنا نؤمن بها ولا نؤمن بما عداها. فنزلت الآية: {لستم على شيء ... } إلخ.

الصفحة 654