كتاب أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه

وهذا أيضا من ذاك. ومنه:
فزل يا بعد عن أيدي ركاب ... لها وقع الأسنة في حشاكا
هذه استعارة حسنة لأنه خاطب البعد وجعل حشا. ومنه:
وأياً شئت يا طرقي فكوني ... أذاة أو نجاة أو هلاكا
جعل قافية البيت الهلاك فهلك، وذلك أنه ارتحل عن شيراز بحسن حال ووفور ما، فلما فارق أعمال فارس حسب أن السلامة تستمر به كاستمرارها في مملكة عضد الدولة، ولم يقبل ما أشير به عليه من الاحتياط باستصحاب الخفراء والمبذرقين، فجرى ما هو مشهور من خروج سرية من الأعراب عليه ومحاربتهم إياه، وتكشف الوقعة عن قتلة وابنه محسد ونفر من غلمانه، وفاز الأعراب بأمواله وذلك في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة أنشدني أبو القاسم المظفر بن علي الطبسي الكاتب لنفسه في مرئية المتنبي (من الخفيف):
لا رعى الله سرب هذا الزمان ... إذ دهانا في مثل ذاك اللسان
ما رأى الناس ثاني المتنبي ... أي ثان يرى لبكر الزمان؟
كان من نفسه الكبيرة في جيش ... وفي كبرياء ذي سلطان
كان في لفظه نبياً، ولكن ... ظهرت معجزاته في المعاني
فصل - وقد جمح بي القلم في إشباع هذا الباب وتذليله، وتصيره كتابا برأسه في أخبار أبي الطيب والاختيار من أشعاره والتنبيه على محاسنه ومساويه، وقد كان بعض الأصدقاء سألني عمل ذلك، وله الآن فيه كفاية، وبه غنية، فإن أحب إفراده عن الأبواب كان كتابا على حدة، وإن نشط لانتساخ الجميع تضاعفت الفوائد لديه، وانثالت القلائد عليه، بمشيئة الله وإرادته.
والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

الصفحة 144