كتاب أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه

سافر إلى بلاد الشام، فلم يزل ينقله من باديتها إلى حضرها، ومن مدرها إلى وبرها، ويسلمه في المكاتب، ويردده في القبائل. ومخايله نواطق الحسنى عنه. وضوامن النجح فيه، حتى توفي أبوه وقد ترعرع أبو الطيب وشعر وبرع. وبلغ من كبر نفسه وبعد همته أن دعا إلى بيعته قوما من رائشي نبله على الحداثة من سنه والغضاضة من عوده، وحين كاد يتم له أمر دعوته تأدى خبره إلى والى البلدة، ورفع إليه ما هم به من الخروج. فأمر بحبسه وتقيده، وهو القائل في الحبس قصيدته التي أولها (من المتقارب):
أيا خدد الله ورد الخدود ... وقد قدود الحسان القدود
ومنها استعطافه ذلك الأمير والتنصل مما قذف به:
أمالك رقي، ومن شأنه ... هبات اللجين وعتق العبيد
دعوتك عند انقطاع الرجا ... ء، والموت منى كحبل الوريد
دعوتك لما براني البلى ... وأوهن رجلي ثقل الحديد
ومنها:
وقد كان مشيهما في النعال ... فقد صار مشيهما في القيود
وكنت من الناس في محفل ... فها أنا في محفل من قرود
تعجل في وجوب الحدود ... وحدي قبل وجوب السجود!
أي: إنما تجب الحدود على البالغ، وأنا صبي لم تجب على الصلاة بعد، ويجوز أن يكون قد صغر سنه وأمر نفسه عند الوالي، لأن من كان صبياً لم يظن به اجتماع الناس إليه للشقاق والخلاف

الصفحة 32