كتاب أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه

بالماضي (من البسيط):
وعاد في طلب المتروك تاركه ... إنا لنفعل والأيام في الطلب
ما كان أقصر وقتاً كان بينهما ... كأنه الوقت بين الورد والقرب
أقول: هذا كعادة المصدور في النفث، وشكوى الحزن والبث، وإلا فما يعجب السفر من تقدم بعض، وكل بين الراحلة والرحل، لا يترك الموت ساعيا على وجه الأرض، حتى ينقله إلى بطن الترب من (من السريع):
نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعاف ما لابد من شربه
تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمان هن من كسبه
فهذه الأرواح من جوه ... وهذه الأجسام من تربه
وهذا غيض من فيض ما اغترفه الصاحب من بحر المتنبي، وتمثل به من شعره. ولو ذكرت نظائره لامتد نفس هذا الباب. وليس هو بأوحد في الاقتباس من كلامه، هذا أبو إسحاق الصابي رسيله في ذلك وزميله، وقد قرأت له غير فصل فيما أشرت إليه، ونبهت عليه: فمنه ما كتب في تقريظ - شاب مقتبل الشبيبة، مكتهل الفضيلة، ولقد آتاه الله في اقتبال العمر جوامع الفضل وسوغه في عنفوان الشباب محامد الاستكمال، فلا تجد الكهولة خلة تتلافاها بتطاول المدة، وثلمة تسدها بمزايا الحنكة. وإنما هو حل نظم أبي الطيب، وإن كان في معنى آخر (من المنسرح):
لا تجد الخمر في مكارمه ... إذا انتشى خلة تلافاها
وأخذ من قول البحتري (من الطويل):
تكرمت من قبل الكؤوس عليهم ... فما اسطعن أن يحدثن فيك تكرما
ومنه ما كتب إلى ابن معروف تهنئة بقضاء - منزلة قاضي القضاة

الصفحة 46