كتاب أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه

في شعر المحدثين: فما أخذه منه قوله (من البسيط):
وتكسب الشمس منك النور طالعة ... كما تكسب منها نورها القمر
وهو معنى قول ابن المعتز (من السريع):
البدر من شمس الضحى نوره ... والشمس من نورك تستملى
19 - وأخذ قوله، وهو من قلائده، ولعله أمير شعره (من البسيط):
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... أتنثني وبياض الصبح يغري بي
من مصراع لابن المعتز، ذكر ابن جنى قال: حدثني المتنبي - وقت القراءة عليه
- (قال): قال لي ابن حنزابة وزير: أحضرت كتبي كلها وجماعة من الأدباء يطلبون لي من أين أخذت هذا المعنى، فلم يظفروا بذلك! وكان أكثر من رأيت كتبا. قال ابن جنى: ثم إني عثرت بالموضع الذي أخذه منه، إذ وجدت لابن المعتز مصراعا بلفظ لين صغير جدا فيه معنى بيت المتنبي كله على جلالة لفظه وحسن تقسيمه، وهو قوله (من البسيط):
فالشمس نمامة والليل قواد
ولن يخلو المتنبي من إحدى ثلاث: إما أن يكون ألم بهذا المصراع فحسنه وزينه، وصار أولى به، وإما أن يكون قد عثر بالموضع الذي عثر به ابن المعتز فأربى عليه في جودة الأخذ، وإما أن يكون قد اخترع المعنى وابتدعه وتفرد به، فلله دره! وناهيك بشرف. وبراعة نسجه!. وما أحسن ما جمع فيه أربع مطابقات في بيت واحد، وما أراه سبق إلى مثلها.
وما زال الناس يعجبون من جمع البحتري ثلاث مطابقات في قوله
(من البسيط):
وأمه كان قبح الجور يسخطها ... دهراً فأصبح حسن العدل يرضيها

الصفحة 57