كتاب أبو الطيب المتنبي وما له وما عليه

وكل مكان أتاه الفتى ... على قدر الرجل فيه الخطي
ومنها إبعاد الاستعارة، والخروج بها عن حدها
كقوله (من البسيط):
مسرة في قلوب الطيب مفرقها ... وحسرة في قلوب البيض واليلب
وقوله (من المنسرح):
تجمعت في فؤائدهم همم ... ملء فؤاد الزمان إحداها
وقوله (من الكامل):
لم يحك نائلك السحاب، وإنما ... حمت به فصبيبها الرحضاء
وقوله (من البسيط):
إلا يشب فلقد شابت له كبد ... شيباً إذا خضبته سلوة نصلا
وقوله (من الطويل):
وقد ذقت حلواء البنين على الصبا ... فلا تحسبني قلت ما قلت عن جهل
فجعل للطيب والبيض واليلب قلوبا، وللسحاب حمى، وللزمان فؤاداً وللكبد شيباً، وهذه استعارات لم تجر شبه قريب ولا بعيد، وإنما تصح الاستعارة وتحسن على وجه من الوجوه المناسبة، وطرق من الشبه والمقاربة قال الصاحب: وما زلنا نتعجب من قول أبي تمام (من الكامل):
لا تسقني ماء الملام (فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي)
فحف علينا بحلواء البنين.

الصفحة 82