كتاب الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين
ما ينبغي أن يكون عليه المسلم عند الاختلاف
المسلم وليُّ المسلم، ناصِرٌ له في الحقِّ ولو بالدُّعاء، لا يخذله ولا يظلمه مهما شَجَرَ بينهما، أخرج ابن أبي الدُّنيا بسند صحيح عن شعبة، عن يحيى بن الحصين، قال: سمعت طارقاً، قال: " كان بين سعد - رضي الله عنه - وخالد - رضي الله عنه - كلام، فَذَهَبَ رجل يَقَعُ في خالد عند سَعْد، فقال سعد - رضي الله عنه -: مَهْ (¬١)، إنَّ ما بيننا لم يَبْلُغْ دِينَنَا " (¬٢).
فانظر كيف يذبُّ سعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - مع أنَّه كان بينهما خلاف؛ فقد تربَّى في مدرسة الرَّحمة المهداة والنِّعمة المسداة، في مدرسة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، القائل: " مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ، كَانَ حَقّاً عَلَى الله أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ" (¬٣) وقرأ فيها قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ (١٢)} [الحجرات].
فالصَّحابة - رضي الله عنهم - كانوا يتعايشون بالدِّين، ولذلك تراهم لم يُنْفِقُوا عمرهم بتصنيف الكتب وتَدْبِيجها وتَحْبِيرها؛ وإنَّما جعلوا الكتاب والسُّنَّة واقعاً في حياتهم، وتمثَّلوهما خُلُقاً يمشون فيه بين النَّاس؛ اقتداء بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فما اندَرَسَتْ آثارهم، وما انقطعت أخبارهم، وما كفَّت الألسن عن الدُّعَاءِ والاسْتِغْفار لَهُمْ.
أتى سَعْدُ بْن هِشَام - رضي الله عنه - عَائِشَةَ، وسألها، وقال لها: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقَالَتْ: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ؛ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ الله - عز وجل -:
---------------
(¬١) مَهْ: اسْمُ فِعلِ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ، ومَعْنَاه: اكْفُفْ عن هذا.
(¬٢) ابن أبي الدُّنيا "الصّمت" (ص ١٣٧).
(¬٣) أحمد "المسند" (ج ١٨/ص ٦٠١/رقم ٢٧٤٨١) وإسناده حسن.