كتاب الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين

الله أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ" (¬١). فإذا كان قد تنازل - رضي الله عنه - عن
الخلافة، أفلا يتنازل أحدنا لأخيه عمَّا دونها مِنْ عَرَضِ الدُّنيا؟!
ومِن الأمور الَّتي تُذْهِبُ الخلاف المناظرة، فقد رأينا كيف أرسل عليّ - رضي الله عنه - ابنَ عبَّاس - رضي الله عنه - إلى الخوارج لمناظرتهم، فخرج إليهم وأتاهم، وهم مجتمعون في دارهم قائلون، فسألهم عمَّا نقموه على ابن عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصهره والمهاجرين والأنصار؟ وناظرهم وحَاجَّهم؛ فَحَجَّهم، ورجع منهم ألفان.
وهذه المناظرة ينبغي أن تكون بين العلماء من الفريقين، وحينها يجب أن يسكت مَنْ لا علم له، وقد أحسن مَنْ قال: "لو سَكَتَ مَنْ لا يَعْلَم لسقط الاختلاف". أمَّا إذا تكلَّم الرُّوَيْبِضَة، فسيطول كلامه ويقلُّ نظامه، فيأتي آخرُ كلامِه على أوَّله، ويُوسِع شُقَّة الاختلاف.
وممَّا يُعَالج به الخلاف القول الحسن، قَال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (٨٣)} [البقرة]، وقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (٥٣)} [الإسراء].
وانظر كيف ضرب الله تعالى مثلاً للكلمة الطَّيِّبة بالشَّجرة الطَّيِّبة الَّتي تؤتي
أكلها، فالكلمة الطَّيِّبة لها ثمرها وأثَرُها، قَال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا (٢٥)} [إبراهيم].
---------------
(¬١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٣/ص ١٧٠) كتاب الصّلح.

الصفحة 208