كتاب الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين
من أسباب الاختلاف وظهور الفتن
واعلم أنَّ وراءَ اعتلال القلوب واختلافها ووقوعها في مضلَّات الفِتَن أسباب، منها: شياطين الإنس والجنّ.
فإيقاع العداوة بين النَّاس مِصْيدة وحِبَالة من حبائل الشَّيطان، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ (٩١)} [المائدة]، وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣)} [الإسراء]. وجاء التَّعبير بالفعل المضارع: (يوقِع) والفعل المضارع (يَنْزَغ) لإفَادة التَّجدُّد، فهو ما يزال يفسد ويهيّج ويحرِّش بين النَّاس ويجدِّد في حيله ولا يتوقَّف.
ولذلك قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ" (¬١) أي بحملهم على العداوة والفتن، ولذلك فمن عادى مُسْلِماً، فإنَّما استزلَّه الشَّيطان.
والشَّيطان هو من يستحقُّ العداوة، فهو عدو لنا كما أخبر تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (٦)} [فاطر]. ولا يدَّخر الشَّيطانُ وُسْعاً في فتنة بني آدم، ولا يَضنُّ بإضلالهم، قَال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف]، {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (٦٠)} [النّساء]، {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥)} [القصص].
وقد حذَّرنا الله تعالى من إبليس الَّذي يسعى غاية جَهْده في صَدِّ النَّاس عن
---------------
(¬١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّوويّ" (م ٩/ج ١٧/ص ١٥٦) كتاب صفة القيامة.