كتاب الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين
فأبوها أبو بكر - رضي الله عنه - ليس ككلِّ الآباء، فقد شابه النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في خلال محمودة
وخصال مشهودة، فإلى جانب صفة الصِّدق، وَصَفَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ في حديث الهجرة بصفات اشتهر بها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال له مستغرباً لمَّا لقيه خارجاً في طريقه إلى الحبشة: "إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ، وَلَا يُخْرَجُ؛ فَإِنَّكَ تَكْسِبُ المعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " (¬١).
وهي نظير صفات النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتي وصفت بها خديجة - رضي الله عنها - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث بدء الوحي حيث قالت للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:"إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" (¬٢).
ولمّا انطلقت خديجة به - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إلى ابن عمِّها وَرَقَة، استبعد - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجه قومه؛ لما جمع من مكارم الأخلاق، فلمّا قال له وَرَقَةُ: " ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومُكَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أومخرجيَّ هم؟! قال: نعم؛ لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثل ما جئت به إلّا عودي" (¬٣).
ولعلَّ ابْنَ الدَّغِنَةِ استدلَّ بمكارم الأخلاق الَّتي حازها أبو بكر عَلَى أَنَّه لَا يَخْرُج. ولاعجبَ أن يجمع أبوبكر هذه الأخلاق كُلَّها، فقد كان صاحِبَ صَاحِب الخلق العظيم، الَّذي قال له - جل جلاله -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم]، فلم
---------------
(¬١) ((البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٣/ص ٥٨) كتاب الكفالة.
(¬٢) ((مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ١/ج ٢/ص ٢٠٠) كتاب الإيمان. والبخاري "صحيح البخاري" (م ١/ج ١/ص ٣) كيف كان بدء الوحي.
(¬٣) ((المرجع السّابق.