كتاب الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين
تأخَّر إسلامه.
وقدَّمت هذه الأسرةُ أعْظَمَ مثل في الجِهَاد يوم الهجرة، الَّتي تعدُّ نقطة تحوّل في تاريخ الدَّعوة، حتَّى أَمَرَ عُمَرُ - رضي الله عنه - الصَّحابة في خلافته أن يؤرِّخوا بها، قال عمر - رضي الله عنه -:
" الهجرة فرَّقت بين الحقِّ والباطل فأرِّخوا بها" (¬١)، وقال سهل بن سعد - رضي الله عنه -: " مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ المدِينَةَ " (¬٢).
وقد روى البخاري قصّة الهجرة بطولها، وأقتطع منها دور هذه الأسرة الكريمة، قالت عائشة - رضي الله عنها -: " وَتَجَهَّزَ أَبو بَكْرٍ قِبَلَ المدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ، وَهُوَ الْخَبَطُ (¬٣)، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْماً جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ (¬٤)،
قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُتَقَنِّعاً فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، والله مَا جَاءَ به فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ
---------------
(¬١) ابن حجر " فتح الباري" (ج ٧/ص ٢١٥).
(¬٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٤/ص ٢٦٧) كتاب المناقب.
(¬٣) ((الخبط: ورق الشَّجر يضرب ويخبط حتَّى يسقط.
(¬٤) ((كان لا يخطئه يوم إلَّا أتى منزل أبي بكر طرفي النَّهار، فلمَّا عزم على الهجرة جاءهم في الظَّهيرة متقنِّعاً وقد غطَّى رأسه.