كتاب الأثر الثمين في نصرة عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين

وهو الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ" (¬١).

نزول الوحي على النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي بكر - رضي الله عنه - ببراءتها - رضي الله عنها -
دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على بيت الصَّديق - رضي الله عنه -، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدَ عائشة مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا. وقبل أن يُفَارقَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، وقبل أن يغادر أحدٌ من أهل البيت ممَّن كانوا حضوراً، أَخَذَت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةٌ، وراح يتصبَّبُ عرقاً كأنَّه اللُّؤْلُؤ وهو في يوم شَاتٍ من ثقل ما أنزل عليه، فلمَّا كُشِفَ عنه، وهو يضحك، بشَّرَ عائشة - رضي الله عنها - بأنَّ الله تعالى قد أنزل براءتها.
وما كانت عائشة - رضي الله عنها - تظنُّ أنْ يُتَكلَّمَ في القرآن الكريم بأمرها، ويُقرأ به آناء اللَّيل وأطراف النَّهار في المساجد، ويُصلَّى به، لكنَّها - رضي الله عنها - كانت ترجو أن يَرَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في منامه رؤيا يبرِّئها اللهُ تعالى بها.
قَالَتْ عائشة - رضي الله عنها -: "ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ والله مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ (¬٢) مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي الله بِهَا.
قَالَتْ: فوالله مَا رَامَ (ما برح مجلسه) رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ
البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ البُرَحَاءِ (¬٣) حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ
---------------
(¬١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ١٣) كتاب التَّفسير.
(¬٢) تستصغر نفسها من فرط تواضعها - رضي الله عنها -.
(¬٣) الشِّدَّة، تعني شدَّة نزول الوحي.

الصفحة 78