كتاب قسم من المعجم الأوسط للطبراني تحقيق ودراسة (اسم الجزء: 1)
ولم يَنْفرد به كذلك أبو إسحاق، بل تابعه حُمَيْد بن هلال، وبُرَيد بن عبد الله، وزيد بن أبي أُنَيْسة، ثلاثتهم عن أبي بُرْدة، به، فَزَال بذلك ما نخشاه مِنْ تدليسه.
شواهد للحديث:
• وفي الباب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما"، من طريق شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلا تُنَفِّرُوا». (¬١)
وعليه؛ فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا:- النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:
قال المُصنف - رضي الله عنه -: لم يَرو هذا الحديث، عن زُهَير، إلا عَمرو بن عثمان.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -.
خامساً:- التعليق على الحديث:
- يُعتبر هذا الحديث من أعظم القواعد التي أُسس عليها هذا الدين الحنيف، قال الله - عز وجل -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)} (¬٢)، وقال الله - جل جلاله -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬٣)، وقال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (¬٤)، وأخرج البخاري، ومسلم في "صحيحيهما"، من حديث أمّ المؤمنين عائشة، قالت: " مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا ". (¬٥)
- وقد رَبَّى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، على ذلك قولاً، وعملاً، فلقد حثِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأوصى الصحابة بذلك، كما في حديث الباب، وفي بعض روايات الحديث، من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، قال: قال: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: " بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا " (¬٦)، وأخرج البخاري
---------------
(¬١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٦١٢٥)، ك/الأدب، ب/قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا"، وكان يُحب التخفيف، والتيسير على النَّاس؛ ومسلم في "صحيحه" (١٧٣٤)، ك/الجهاد والسير، ب/في الأمر بالتيسير، وترك التنفير.
(¬٢) سورة "البقرة"، آية (١٨٥).
(¬٣) سورة "الحج"، آية (٧٨).
(¬٤) سورة "النور"، آية (٦١).
(¬٥) أخرجه البخاري (٣٥٦٠)، ك/المناقب، ب/صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبرقم (٦١٢٦)، ك/الأدب، ب/قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا"، وبرقم (٦٧٨٦)، ك/الحدود، ب/إقامة الحدود. ومسلم (٢٣٢٧/ ١ - ٥)، ك/الفضائل، ب/مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام.
(¬٦) أخرجه مسلم في "صحيحه" (١٧٣٢)، ك/الجهاد والسير، ب/في الأمر بالتيسير، وترك التنفير.