كتاب قسم من المعجم الأوسط للطبراني تحقيق ودراسة (اسم الجزء: 1)

الوجه الثاني: المُنْكَدِر بن مُحمَّد، عن أبيه، عن عبد الرَّحمن التَّيْميِّ، قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَائِمًا فِي السُّوقِ يَوْمَ الْعِيدِ يَنْظُرُ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ". رواه إبراهيم بن إسحاق الطَّالقانيُّ، وهو صدوقٌ يُغْرب.
فالذي يظهر - والله أعلم - هو عدم صحةُ الوجهين؛ فَمَدارهما على المُنْكدر بن مُحمَّد، وهو لَيِّنُ الحديث، خاصةً في أحاديث أبيه فلم يكن بالحافظ - كما سبق -، وقد انفرد به عن أبيه، ولم يُتابع عليه.

رابعاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل المُنْكَدِر بن مُحمَّد "لَيِّنُ الحديث"، وقد انفرد به عن أبيه، ولم يُتابع عليه، بل واضطرب فيه، فَدل على عدم ضبطه له، فلعلَّه مِن مَناكيره وأوهامه عن أبيه، فإنَّه لم يكن حافظاً لحديث أبيه. ومَدَار الحديث عليه، فلم يصح الحديث مِن الوجهين.
قال الهيثمي: رِجَالُ الطَّبَرَانِيِّ مُوَثَّقُون، وإنْ كان فيهم المُنْكَدِر بن مُحَمَّدِ بن المُنْكَدِر: فقد وَثَّقَهُ أحمد، وأبو داود، وابن مَعِين - في رِوَايَة -، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُمْ. (¬١)
قلتُ: وقد سبق الجواب على توثيق البعض له، وأنَّه محمول على العدالة والصلاح والعبادة، والجرح فيه مُفَسَّر، وهو قول الجمهور، فَيُقَدَّم التعديل عليه. وأمَّا أبو داود فقد سُئل عن المُنْكدر: أهو ثقةٌ؟ قال: لا. (¬٢)
وقال البوصيري: رواه أبو يَعْلى، وأحمد، وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ. (¬٣)
قلتُ: وهذا ليس بحسن، ففي إسنادهما المُنْكدر، وانفرد به، وهو ليِّنُ الحديث - كما سبق -. (¬٤)
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:
قال المُصَنِّف: لا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابنُ الْمُنْذِرِ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّفُ - رضي الله عنه - أي بالوجه الأول -.
- قال ابن كثير - بعد أنْ ذكر الحديث مِنْ رواية الإمام أحمد -: تَفَرَّد به - أي المُنْكَدِر بن مُحمَّد -. (¬٥)
* * *
---------------
(¬١) يُنظر: "مجمع الزوائد" (٢/ ٢٠٦).
(¬٢) يُنظر: "تهذيب الكمال" (٢٨/ ٥٦٤).
(¬٣) يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" (١٦١٢/ ١ - ٢).
(¬٤) وللحديث طريق آخر أخرجه الشافعي في "الأم" (٥٢٢) - ومِن طريقه البيهقي في "الكبرى" (٦٢٥٦)، وفي "المعرفة" (٦٩٦٤) - قال: أنبأنا إِبْرَاهِيمُ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمِنِ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجَعَ مِنَ الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَسَلَكَ عَلَى التَّمَّارِينَ مِنْ أَسْفَلِ السُّوقِ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ مَسْجِدِ الأَعْرَجِ الَّذِي عِنْدَ مَوْضِعِ الْبِرْكَةِ الَّتِي بِالسُّوقِ، قَامَ فَاسْتَقْبَلَ فَجَّ أَسْلَمَ فَدَعَا ثُمَّ انْصَرَفَ". قلتُ: وفي سنده إبراهيم بن مُحمَّد بن أبي يحيى الأَسْلَمِيِّ، قال الحافظ في "التقريب" (٢٤١): متروكٌ.
(¬٥) يُنظر: "جامع المسانيد والسنن" (٦٩٧٠).

الصفحة 633