كتاب قسم من المعجم الأوسط للطبراني تحقيق ودراسة (اسم الجزء: 1)

خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:
قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا بِشْرٌ.
قلتُ: وقد نقله عنه أبو نُعيم (¬١)، ولم يَتعقبه بشيء. والأمر كما قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -، فلم يَروه عن سُفيان إلا بِشْر، لكنه مُقيدٌ بروايته عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاءٍ - والله أعلم -.

سادساً: - التعليق على الحديث:
قال الترمذي: وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يَتَقَدَّمَ الضَّعَفَةُ مِنَ المُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ يَصِيرُونَ إِلَى مِنًى. وقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ لَا يَرْمُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي أَنْ يَرْمُوا بِلَيْلٍ، وَالعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ لَا يَرْمُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. (¬٢)
وقال ابن عبد البر: الْمَبِيتُ بِجَمْعٍ لَيْلَةَ النَّحْرِ سُّنَّةٌ مَسْنُونَةٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ اللَّيْلِ وَأَنَّهُ قَدْ رَخَّصَ أَنْ لَا يُصْبِحَ الْبَائِتُ فِيهَا وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُصْبِحَ بِمِنًى عَلَى أَنَّ الْفَضْلَ عِنْدَ الْجَمِيعِ الْمَبِيتُ بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ ثُمَّ يَرْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ. كَذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَبِتْ بِجَمْعٍ لَيْلَةَ النَّحْرِ عَلَيْهِ دَمٌ وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الدَّمَ عَنْهُ وُقُوفُهُ بِهَا وَلَا مُرُورُهُ عَلَيْهَا. وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ مَنْ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ قَبْلَ الْإِمَامِ وَإِنْ بَاتَ بِهَا أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا. قَالَ أَبُو عُمَرَ أَظُنُّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهَذِهِ الْآثَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬٣)
قلتُ: والحديث يدل على إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفاء بالانصراف بعد منتصف الليل، أما الأقوياء فالسنة أن يبيتوا حتى الفجر ويصلوا الفجر في المزدلفة ويقفوا عند المشعر الحرام.
قال البغوي: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنِّسْوَانِ، وَالضَّعَفَةُ أَنْ يَدْفَعُوا مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، وَمَنْ دَفَعَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ بِهَا حَتَّى يَدْفَعَ مَعَ الإِمَامِ بَعْدَ الإِسْفَارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَوْ دَفَعَ بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَأَجَازَهُ قَوْمٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي النَّقلِ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الضَّعَفَةِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ قَوْمٌ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ. (¬٤)
* * *
---------------
(¬١) يُنظر: "حلية الأولياء" (٨/ ٣٠١).
(¬٢) يُنظر: "السنن" حديث رقم (٨٩٣).
(¬٣) يُنظر: "الاستذكار" (١٣/ ٥٣).
(¬٤) يُنظر: "شرح السنة" (٧/ ١٧٥ - ١٧٦)، ومن رام المزيد؛ فليُراجع: "شرح المشكل" للطحاوي (٩/ ١١٨ - ١٢٥)، "شرح معاني الآثار" (٢/ ٢١٥ - ٢١٨)، "المنهاج شرح صحيح مسلم" (٩/ ٣٩ - ٤١)، "فتح الباري" لابن حجر (٣/ ٥٢٧ - ٥٣٠).

الصفحة 686