كتاب الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (اسم الجزء: 1)

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْغَائِطِ مِنَ الدُّبُرِ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] : كِنَايَةٌ عَنْ حَاجَةِ ذِي الْبَطْنِ، وَالْغَائِطِ: الْفَيْحُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُتَصَوِّبُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْوَادِي. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا طَالَتِ صُحْبَةُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ سَمَّتْهُ بِاسْمِهِ، مِنْ ذَلِكَ تَسْمِيَتُهُمْ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ تَيَمُّمًا وَإِنَّمَا التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّعَمُّدُ لِلشَّيْءِ، قَالَ اللهُ جَلَّ ذَكَرَهُ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] يَعْنِي تَعَمَّدُوا الصَّعِيدَ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فَكَثُرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ حَتَّى صَارَ عِنْدَ النَّاسِ التَّيَمُّمُ هُوَ التَّمَسُّحُ نَفْسُهُ وَكَذَلِكَ الْغَائِطُ لَمَّا كَثُرَ قَوْلُهُمْ ذَهَبْتُ إِلَى الْغَائِطِ وَذَهَبَ فُلَانٌ إِلَى الْغَائِطِ وَجَاءَ مِنَ الْغَائِطِ سَمُّوا رَجِيعَ الْإِنْسَانِ الْغَائِطَ.
ذِكْرُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ الَّذِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْهُ وَهُوَ الْمُلَامَسَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهِ قَالَ اللهُ جَلَّ ذَكَرَهُ: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] الْآيَةَ. -[114]- أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُلَامَسَةَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْلَمَسِ وَفِيمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمَسَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُلَامَسَةُ الْجِمَاعُ، كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْمُلَامَسَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالْإِفْضَاءُ وَالرَّفَثُ وَالْجِمَاعُ نِكَاحٌ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى كَنَّى. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّمْسُ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى -[115]- كَنَّى عَنْهُ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

الصفحة 113