كتاب الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (اسم الجزء: 3)
ذِكْرُ الْأَذَانِ لِلصَّلَوَاتِ قَبْلَ دُخُولِهَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلصَّلَوَاتِ بَعْدَ دُخُولِ أَوْقَاتِهَا إِلَّا الْفَجْرَ , فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلصُّبْحِ مِنْ بَيْنِ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ»
1181 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَاللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُؤَذَّنُ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ أَوْقَاتِهَا، هَذَا -[30]- قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالنُّعْمَانِ، وَيَعْقُوبَ، وَمُحَمَّدٍ، ثُمَّ رَجَعَ يَعْقُوبُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلْفَجْرِ خَاصَّةً قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْآخَرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، قَالَتْ: وَالْأَذَانُ مَعْنَاهُ إِعْلَامٌ بِدُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَدُعَاءٌ إِلَيْهَا، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهَا وَيُؤْمَرَ بِحُضُورِهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمُ الْأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَتِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، وَهِيَ الْأَخْبَارُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ النَّاقُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ إِنَّمَا جُعِلَ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ حَضَرَ وَقْتُهَا، وَوَجَبَ فَرْضُهَا، وَحُجَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ لِلصَّلَوَاتِ الْأَرْبَعِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ الْخَامِسَةُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَقَالُوا: وَنَحْنُ نَقُولُ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ أَذَانِ بِلَالٍ بِلَيْلٍ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِيَتَنَبَّهُ النَّائِمُ بِأَذَانِهِ وَيَرْجِعَ الْقَائِمُ فَيَسْتَعِدَّانِ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْآخَرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَكُونُ أَذَانُهُ دُعَاءً إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِعْلَامًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ حَضَرَ وَقْتُهَا لِيَشْهَدَهَا النَّاسُ، وَفِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَيَانُ الْعِلَّةِ الَّتِي لَهَا كَانَ أَذَانُ بِلَالٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ ذَكَرْتُ بَاقِيَ حُجَجِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَعَلَّ أَذَانَهُ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، حَيْثُ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَذَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَذَانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، -[31]- وَفِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَعْنَى أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ
الصفحة 29
430