كتاب الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (اسم الجزء: 3)

1186 - حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» وَمِمَّنْ مَالَ إِلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي رَجُلٍ نَسِيَ صَلَاةً فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا مِنَ الْغَدِ: يُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ
1187 - وَأَمَّا الْخَبَرُ الثَّانِي فَإِنَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا بِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ -[33]- يَهْوِي مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] ، الْآيَةَ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا، فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَأَقَامَهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] " وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَدْ ذَهَبَ وَقْتُ الْأُولَى مِنْهُمَا أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِلَا أَذَانٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَمَا وَصَفْتُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا مِنْهُ غَلَطٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَنَّ لِلْجَامِعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا أَمْ فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ، أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ وَيُقِيمُ فَيُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُقِيمُ لِلْآخِرَةِ فَيُصَلِّيهَا، كَذَلِكَ فَعَلَ بِعَرَفَةَ فِي حَجَّتِهِ حِينَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبُمُزْدَلِفَةَ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، ثَابِتٌ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ، -[34]- عَنْ أبيهِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَالسُّنَّةُ لِمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ وَيُقِيمَ فَيُصَلِّيهَا، ثُمَّ يُقِيمُ لِمَا بَعْدَهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِقَامَةً، وَالزِّيَادَةُ فِي الْأَخْبَارِ إِذَا ثَبَتَتْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا إِذِ الزِّيَادَةُ فِي الْخَبَرِ فِي مَعْنَى حَدِيثٍ تَفَرَّدَ بِهِ الرَّاوِي، فَكَمَا يَجِبُ قَبُولُ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ الثِّقَةُ مِنَ الْأَخْبَارِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ مِنْهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ

الصفحة 32