كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

لأن الماء يصير مستعملاً بملاقاته فلا ترتفع الجنابة عن الباقي (¬1) بخلاف ما إذا كان الماء واردًا على البدن، حيث لا يحكم باستعماله بأول الملاقاة لاختصاصه بِقُوَّةِ الوُرُودِ، والأصح: أنه ترتفع الجَنَابَةُ، ولا يصير الماء مستعملاً بأول الملاقاة، لأنا إنما لم نحكم بالاستعمال عند ورود الماء على البدن للحاجة إلى رفع الحدث، وعسر إفراد كل موضع بماء جديد، وهذا المعنى موجود سواء كان الماء وارداً، أو كان هو وارداً على الماء (¬2) وإذا عرفت ذلك نشأ لك البحث والنظر في أمور من ألفاظ الكتاب في الفَرْعِ الثالث.
أحدها: أن مراده ما إذا نوى بعد تمام الانغماس، أو فيما إذا نوى قبله أو كلتا الحالتين؟ أما اللفظ فهو (¬3) شامل لهما والتنزيل عليهما صحيح لما ذكرنا بأنه لا خلاف في ارتفاع الحدث (¬4) في الحالة الأولى، وأن الصحيح في الحالة الثانية أيضاً الارتفاع لكنه ما أراد الحالة الأولى وحدها؟ لأن قوله: "ارتفعت جَنَابَتُهُ" مُعْلَمٌ بالواو، ولا خلاف في ارتفاع الجنابة في تلك الحالة.
بَقِيَ احتمالان إرادة الحالة الثانية وحدها وعلامة الواو إشارة إلى وجه الخضري (¬5)
¬__________
(¬1) قال النووي: ولو انغمس جنبان ونوى أحدهما قبل صاحبه ارتفعت جنابة الناوي وصار مستعملاً بالنسبة إلى الآخر على الصحيح، ولو نويا معاً بعد غمس جزء منهما ارتفع عن جزءيهما، وصار مستعملاً بالنسبة إلى باقيهما على الصحيح. والله أعلم. الروضة 1/ 117 بتحقيقنا.
(¬2) قال النووي: وإذا جرى الماء من عضو المتوضئ إلى عضو صار مستعملاً حتى لو انتقل من إحدى اليدين إلى الأخرى صار مستعملاً، وفي هذه الصورة وجه شاذ محكى في باب التيمم. عن (البيان) أنه لا يصير، لأن اليدين كعضو. ولو انفصل من بعض أعضاء الجنب إلى بعضها فوجهان، الأصح عند صاحبي (الحاوي) و (البحر): لا يصير. والراجح عند الخراساني يصير، وبه قطع جماعة منهم. وقال إمام الحرمين: إن نقله قصداً صار، وإلا فلا. ولو غمس المتوضئ يده في الإناء قبل الفراغ من غسل الوجه لم يصر مستعملاً، وإن غمسها بعد فراغه من الوجه بنية رفع الحدث صار مستعملاً. وإن نوى الاغتراف لم يصر، وإن لم ينو شيئاً فالصحيح أنه يصير، وقطع البغوي بأنه لا يصير. والجنب بعد النية كمحدث بعد غسل الوجه. وأما الماء الذي يتوضأ به الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب نية الوضوء فالأصح أنه يصير. والثاني: لا يصير. والثالث: إن نوى صار، وإلا فلا، ولو غسل رأسه بدل مسحه فالأصح أنه مستعمل كما لو استعمل في طهارته أكثر من قدر حاجته. والله أعلم. الروضة 1/ 117.
(¬3) في ب: فإنه.
(¬4) في ط: الجنابة.
(¬5) أبو عبد الله محمد بن أحمد الخضري المروزي. كان هو وأبو زيد شيخي عصريهما بمرو، وكثيرًا ما يقول القفال: سألت أبا زيد والخضري وممن نقل عنه القاضي الحسين في باب استقبال القبلة في الكلام على تقليد الصبي. توفي -رحمه الله- في عشر الثمانين وثلثمائة. قال ابن خلكان قال والخضري: نسبة إلى بعض أجداده. انظر ترجمته في طبقات الأسنوي 421، وطبقات الفقهاء للعبادي 96، ابن قاضي شهبة 1/ 46، الأنساب 5/ 152، ووفيات الأعيان 3/ 351، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 276).

الصفحة 16