كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

ومنها: المتغير بطول المكث، وهو على طهوريته، لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- "تَوَضَّأ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَة، وَكَانَ مَاؤُهَا كَنُقَاعَةِ الحِنَّاءِ" (¬1)، وذلك التغير لا يمكن أن يكون بالنَّجَاسَةِ وإلا لما توضأ به، فبعد ذلك لا يخلو إما أن يكون بنفسه أو بشيء طاهر آخر، إن كان بنفسه صح المدعي وإن كان بغيره فكذلك، لأن تغيره بنفسه أهون من تغيره بغيره، فإذا لم يقدح الثاني فأولى أن لا يقدح الأول.
ومنها: المسخن، فهو على طهوريته لبقاء إطلاق الاسم؛ ولأنهم تطهروا بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالماء المُسَخَّنِ ولم ينكر عليهم (¬2).
ومنها: المشمش، وهو على طهوريته كالمسخن، وهل في استعماله كراهية أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وأحمد (¬3) -رحمهم الله-، كماء
¬_______
(¬1) قال ابن الملقن في خلاصة البدر 1/ 7 غريب، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص 1/ 13 وهذا الوصف لهذه البئر لم أجد له أصلاً.
(¬2) هذا الخبر قال المحب الطبري: لم أره في غير الرافعي انتهى، وقد وقع ذلك لبعض الصحابة فيما رواه الطبراني في "الكبير" والحسن بن سفيان في "مسنده"، وأبو نُعَيْم في المعرفة، والبيهقي من طريق الأسلع بن شريك. قال: كنت أرحل ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأصابتني جنابة في ليلة باردة، وأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرحلة فكرهت أن أرحل ناقته وأنا جنب، وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض فأمرت رجلاً من الأنصار برحلها، ووضعت أحجاراً فأسخنت بها ماء فاغتسلت، ثم لحقت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فأنزل الله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} -إلى- {غَفُورًا} والهيثم بن زريق الراوي له عن أبيه عن الأسلع هو وأبوه مجهولان، والعلاء بن الفضل المنقري راويه عن الهيثم فيه ضعف، وقد قيل: إنه تفرد به، وقد روى عن جماعة من الصحابة فعل ذلك، فمن ذلك عن عمر رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر كانت له قمقمة يسخن فيها الماء، ورواه عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر كان يغتسل بالحميم، وعلقه البخاري، ورواه الدارقطني وصححه، وعن ابن عمر، روى عبد الرزاق أيضًا عن معمر، عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يتوضأ بالماء الحميم، وعن ابن عباس، رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، عن محمد بن بشر عن محمد بن عمرو ثنا أبو سلمة قال: قال ابن عباس: إنا نتوضأ بالحميم، وقد أغلى على النار، وروى عبد الرزاق بسند صحيح عنه، قال: لا بأس أن يغتسل بالحميم، ويتوضأ منه، وروى ابن أبي شيبة وأبو عبيد عن سلمة ابن الأكوع، أنه كان يسخن الماء يتوضأ به، وإسناده صحيح. انظر التلخيص 1/ 21، 22.
(¬3) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي، أحد أئمة الإسلام، والهداة الأعلام، وأحد الأربعة الذين تدور عليهم الفتاوى والأحكام في بيان الحلال والحرام، وقد أفرد ترجمته بالتصنيف عبد الرحمن بن أبي حاتم، والبيهقي، وابن الجوزي. توفي عليه =

الصفحة 19