كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

لا يحنث وكان اسم الماء عرياً عن القيود والإضافات غير موضوع للحقيقة المشتركة بين الماء وماء الزعفران، بل كما لا يتفاحش تغير صفاته الأصلية والله أعلم.
وهل يعتبر تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، وَالطَّعْمِ، وَالرَّائِحَةِ، جميعاً أم يكفي تغير واحد منها؟ ذكر الموفق بن طاهر (¬1) في "شرح مختصر الجُوينِيِّ" (¬2) أن صاحب "جمع الجوامع" حكى فيه قولين اختار ابن سريج الثاني منهما وهو المشهور المتوجه. وحكى قولاً آخر عن رواية الربيع (¬3) أن التغير في اللون وحده وفي الطعم والرائحة معاً يمنع الطّهُورِيَّة وفي أحدهما لا يمنع.
وينبغي أن يتنبه من ألفاظ الكتاب للاحتراز عن التغيرات التي لا تقدح: فقوله: "ما تفاحش تغيره" يخرج عنه التغير اليسير، وان كان بخليط مستغنى عنه. وقوله: "بمخالطة ما يستغني عنه" يخرج عنه التغير بالمجاور وبما لا يمكن صون الماء عنه.
قال الغزالي: فُرُوعٌ ثَلاَثَةٌ:
الأَوَّلُ- المُتَغَيِّرِ بِالتُّرَابِ المَطْرُوحِ فِيهِ قَصْداً فِيهِ وَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ طَهُورٌ وَيَقْرُبُ مِنْهُ المِلْحُ إِذ طُرِحَ (و) فِي المَاءِ لأَنَّه أَجْزَاءٌ سَبِخَةٌ مِنَ الأَرْضِ بِهَا يَصِيرُ مَاءُ البَحْرِ مَالِحاً فَيُضَاهِي التُّرابَ. الثَّانِي- إِذَا تَفَتَّتَتِ الأَوْرَاقِ فِي المِيَاهِ وَخَالَطَتْهَا فَفِيهَا ثَلاَثَةُ أَوْجْهٍ يُفْرَّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ الخَرِيفِيِّ وَالرَّبِيعِيِّ لِتَعَذُّرِ الاحْتِرَازِ عَنِ الخَرِيفِيِّ. الثَّالِثُ- إذَ صُبَّ مَائِعٌ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يُغْيّرْهُ فَإنْ كَانَ بِحَيث لَوْ خَالَفَهُ في اللَّوْنِ لِتَفَاحُشِ تَغَيُّرِهِ زَالَتِ الطُّهُورِيَّةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ فَهُوَ طَهُورٌ، وَيجوزُ اسْتِعْمَال الكُلِّ عَلَى الأَظْهَرِ، وقِيلَ: اِذَا بَقِيَ قَدْرُ ذَلِكَ المَائِعِ لَم يَجُزِ استِعْمَالُهُ.
¬__________
(¬1) هو أبو محمد الموفق بن طاهر بن يحيى كان فقيهاً من أهل نيسابور، مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة. انظر ترجمته ابن هداية الله 188، معجم المؤلفين 13/ 52، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 120.
(¬2) أبو سهل أحمد بن محمد الزوزني، ويعرف بابن العفريس بالعين والسين المهملتين صاحب جمع الجوامع، ذكره أبو عاصم العبادي في طبقة القفال الشاشي، وأبي زيد، والخفاف ونحوهم. الأسنوي 1/ 304 ابن السبكي 2/ 227، طبقات العبادي 191، ابن هداية الله 28.
(¬3) أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي مولاهم المصري المؤذن خادم الشافعي -رضي الله عنه- وراوي "الأم" وغيرها من كتبه، قال الشافعي: إنه أحفظ أصحابي رحلت الناس إليه من أقطار الأرض ليأخذوا عنه علم الشافعي ويرووا عنه كتبه. ولد سنة أربع وسبعين ومائة، وتوفي بمصر حرسها الله يوم الاثنين لعشر بقين من شوال سنة سبعين ومائتين. الأسنوي 18، الشيرازي 79، العبادي 12، تهذيب التهذيب 3/ 245، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 188، الشذرات 2/ 159، وفيات الأعيان 2/ 291.

الصفحة 23