كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

المَيْتَاتُ، وأجزاء الحيوانات، وما ينفصل من باطن الحيوان، وحينئذ لا ينتظم قصر الاستثناء على الخَمْرِ وَالنَّبِيذِ، وأما الحيوانات فهي طاهرة، ويستثنى منها ثلاثة:
أحدهما: الكلب لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: "إِنَّهَا لَيسَت بِنَجِسَةٍ" (¬1) يعني: الهرَّةَ ووجه الاستدلال منه مشهور، ولأن سؤره نجس بدليل ورود الأمر بالإراقة في خبر الولوغ، ونجاسة السُّؤرِ تدل على نَجَاسَةِ الفَم، وإذا كان فمه نجسًا كانت سائر أعضائه نجسة، لأن فمة أطيب من غيره، ويقال: إنه أطيب الحيوان نَكْهَةَ لكثرة ما يلهث.
والثاني: الخِنزِيرُ وهو أسوأ حالاً من الكلب، فهو أولى بان يكون نجسًا.
والثالث: المتولد من أحدهما نجس لتولده من أصل نجس. وعن مالك: أن الكَلْبَ، وَالخِنْزِيرَ طاهران ويغسل من وُلُوغِهِمَا تَعَبُّداً.
ولك أن تعلم قوله: "والحيوانات على الطهارة" بالواو، لأن أبا العباس الجرجاني (¬2) وآخرين نقلوا وجهاً أن الدُّودَ المتولد من نفس المَيْتَةِ نجس العَيْنِ كولد الكلب، فعلى ذلك الوجه لا ينحصر الاستثناء فيما ذكره، لكن هذا الوجه ساقط، ولو صح ذلك لَلَزَمَ أن يحكم بنجاسة الحَيَوانِ من حكم بنجاسة، العَلَقَةِ، وَالمُضْغَةِ، وَمَنيِّ غَيرِ المَأْكُولِ.
¬__________
(¬1) والحديث: أنه عليه الصلاة والسلام دعى إلى دار فأجاب، ودعى إلى دار أخرى فلم يجب. فقيل له في ذلك. فقال: (إن في دار فلان كلباً) فقيل وفي دار فلان هرة فقال: (الهرة ليست بنجسة). رواه أحمد والدراقطني والبيهقي والحاكم من رواية أبي هريرة وصححه. وفيه نظر. لكن لفظهم: السنور سبع بدل الهرة إلى آخره. انظر خلاصة البدر 1/ 11. وقال الحافظ قال ابن أبي حاتم في العلل سألت أبا زرعة عنه فقال: لم يرفعه أبو نعيم وهو أصح، وعيسى ليس بالقوي قال العقيلي: لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه، وقال ابن حبان: خرج عن حد الاحتجاج به، وقال ابن عدي: هذا لا يرويه غير عيسى، وهو صالح فيما يرويه، ولما ذكره الحاكم قال: هذا الحديث صحيح، تفرد به عيسى عن أبي زرعة، وهو صدوق لم يجرح قط كذا قال، وقد ضعفه أبو حاتم الرازي، وأبو داود وغيرهما، وقال ابن الجوزي: لا يصح، وقال ابن العربي: ليس معناه أن الكلب نجس، بل معناه أن الهر سبع فينتفع به بخلاف الكلب، فلا منفعة فيه كذا قال، وفيه نظر لا يخفى على المتأمل. انظر التلخيص 1/ 25.
(¬2) أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني. كان قاضي البصرة، وشيخ الشافعية بها، ومن أعيان الأدباء في وقته، سمع من جماعات كثيرة، وحدث وتفقه على الشيخ أبي إسحاق وصنف في الفقه: (التحرير والمعاملة) و (البُلْغة) (والشافعي) وهو كبير في أربع مجلدات. مات راجعاً من أصبهان إلى البصرة سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. قال ابن الصلاح في (طبقاته). انظر ترجمته في الأسنوي 306، ابن السبكي 3/ 31، ابن هداية الله 63.

الصفحة 29