كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

ومن قال: لا ينجس ما ليس له نفس سائلة بالموت، فلا شك أن يقول به في دود الطعام بطريق الأولى، فإذًا قوله: "وكذا دود الطعام طاهر على الصحيح" اختيار لطريقة القَفَّالِ، والمعنى على الصحيح من القولين ذهابًا إلى أن القول بعدم نجاسة الماء بموت ما ليس له نفس سائلة فيه مَبنِيٌّ على أنه ليس بنجس.
وأما قوله: "ولا يحرم أكله مع الطعام على الصحيح" (¬1) فاعلم أن التقييد بكونه مع الطعام غير محتاج إليه، لثبوت أصل الخلاف: ويجوز أن يكون محتاجاً إليه: لكن القول بالحل أصح؛ أما الأول؛ فلأنه ذكر في النِّهاية (¬2): أنه لو جمع جامع من دُودِ الطَّعَامِ شيئاً واعتمد أكله فهل يَحِلُّ؛ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، لأنه كَالجُزْءِ مِنَ الطَّعَام طَعْماً وَطَبْعاً؛ وأصحهما: التحريم فنقل الوجهين في أكله منفرداً، وقد أطلق في الوَسِيطِ الوجهين في الحل من غير تخصيص بالأكل مع الطعام أو منفرداً.
وأما الثاني: فلأن إفراده بالأكل مُسْتَغْنًى عنه، وهو مُستَقذَرٌ مندرج تحت عموم تحريم الميتة، أما التمييز بينه وبين الطعام عند الأكل فعسير جاز أنه يعفى عنه، وبهذا المعنى قلنا: لا ينجس الطعام بلا خلاف، وإن حكمنا بنجاسته، وربما يخطر بالبال أن الخلاف في حل الأكل مبني على الخلاف في الطهارة والنجاسة، إن قلنا: بالنجاسة يحرم وإلا فيحل، وليس الأمر فيه على هذا الإطلاق، بل الخلاف منتظم مع حكمنا بالطهارة فوجه التحريم الاسْتِقْذارُ، وشمول اسمَ الميتة، وصار كما لا نفس له سائلة مما لا يكون نشؤه في الطعام، فإنه يحرم، وإن حكم بطهارته، ووجه الحل أنه كالجزء من الطعام طَبْعاً وَطَعْماً، وأما إذا حكمنا بالنجاسة فوجه التحريم بَيِّنٌ، ووجه الحل إذا كان يؤكل مع الطعام عسر الاحتراز والتمييز، وعن الانفراد لا ينقدح شيء -والله أعلم- واعرف بعد هذا شيئين:
أحدهما: قوله: والميتات على النجاسة، لا يعني الميتة بجميع أجزائها بل ما سوى الشعر وما في معناه، وفيها من الخلاف والتفصيل ما ذكره في باب الأواني.
والثاني: ظاهر كلامه، حصر المستثنى من الميتات في الأنواع المذكورة، وليس كذلك بل الجنين الذي يوجد ميتاً عند ذَبْح الأم حلال طاهر أيضاً، وكذا الصَّيْد إذا مات بالضغط على أحد القولين.
قال الغزالي: أَمَّا الأَجْزَاءُ المُنْفَصِلَةُ عَنْ ظَاهِرِ الحَيَوَانِ فَكُلُّ مَا أبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ
¬__________
(¬1) في ط: الأصح.
(¬2) نهاية المطلب لإمام الحرمين ولديه منه نسخة.

الصفحة 33