كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

معظم الأصحاب حكمها كحِكمها من غيره قياساً، وحملوا الأخبار على التداوي. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لأيِي طَيبَةَ: لاَ تَعُدْ، الدَّمُ كُلُّهُ حَرَامٌ" (¬1).
وفي خَرءِ السَّمَكِ وَالجَرَادِ وبولهما وجهان:
أظهرهما: النجاسة قياساً على غيرها لوجود الاستحالة والتغير، وبه قال أبو حنيفة، وكذا في زرق الطيور الدَّجَاجَة.
والثاني: الطهارة لجَوَازِ ابْتِلاعَ السُّمُوكِ حَيَّةً، وميته وإطباق الناس على أكل المملحة منها على ما في بطونها، وكذلك في خرء ما ليس له نفس سائلة وجهان:
أظهرهما: النجاسة.
والثاني: لا؛ لأن الرُّطُوبَةَ المنفصلة منه كالرطوبة المنفصلة من النبات لمشابهة صورته بعد الموت صورته في الحياة، ولهذا لم يحكم بنجاسته بالموت على رأي، ولهذا بني بعضهم الخلاف في طهارة روثه على الخلاف في نجاسته بالموت.
ونعود بعد هذا إلى ألفاظ الكتاب.
أما قوله: "كل مُتَرَشِّحٌ ليس له مَقَرٌّ يستحيل فيه" فالمراد منه القسم الأول. وقوله: "ما استحال في الباطن" فالمراد منه القسم الثاني، والتعرض للترشح في الأول إنما وقع، لأن الغالب فيه الخروج على هيئة الترشح، لا أنه من خواصه، أو أن الطهارة منوطة به ألا ترى أن الدَّمَ وَالصَّدِيدَ قد يترشحان من القُرُوحِ والنّفَاطَاتِ، وهما نجسان.
وقوله: ليس له مقر يستحيل فيه لا يلزم من ظاهره ألا يكون مستحيلاً أصلاً لجواز أن يكون مستحيلاً لا في مقر فإن الدمع وسائر ما يقع في هذا القسم لا يستحيل أصلاً فالتعرض لنفي المقر ضرب من التأكيد والبيان، وإن كان يستحيل لا في المقر فالحكم منوط بنفي الاستحالة في المقر لا بمطلق نفي الاستحالة، وحينئذ يكون قوله "وما استحال في الباطن" منصرفاً إليه.
¬__________
= الرحمن بن المبارك ثنا سعد أبو عاصم مولى سليمان بن علي عن كيسان مولى عبد الله بن الزبير أخبرني سلمان الفارسي أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا عبد الله بن الزبير معه طشت يشرب ما فيه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ما شأنك يا ابن أخي؟ قال: إني أحببت أن يكون من دم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جرفي) فقال: (ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار إلا قسم اليمين) ورواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من حديث سعد أبي عاصم به (تنبيه) قال ابن الصلاح في مشكل الوسيط: لم نجد لهذا الحديث أصلاً بالكلية كذا قال وهو متعقب.
انظر التلخيص 1/ 30/ 31.
(¬1) تقدم تخريجه.

الصفحة 38