كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

ووجهه في غير الوجيز (¬1): بأن قال: إذا بلغت القُلَّةُ الحَدُّ المذكور، كانت هذه النجاسة، كما تحملها الرياح من النجاسات مثل الذَّرِّ وتبثها على المياه والثياب، ومعلوم أن ذلك مما لا يبالي به فكذلك هاهنا ولك أن تقول: غير هذا التفصيل أجود منه؛ لأن الكلام فيما لا يدركه الطرف، لقلته لا للموافقة في اللون، وما لا يدرك لقلته لا يدرك اختلف اللون أو اتفق. فأحد القسمين، وهو أن يكون بحيث يدرك عند اختلاف اللون، خارج عن صورة المسألة وإنما صورتها القسم الثاني، ثم القول فيه بالعفو اختيار القول المنقول في عدم تأثير هذه النجاسة في الماء والثوب جميعاً. وظاهر المَذْهَب عند المعظم خلافة، ثم في عبارة الكتاب بسط وتطويل، ولا يخفى إيراد الغَرَض فيَ أقصر منها لمن يبتغي الإيجاز.
قال الغزالي: الثَّانِي- قُلَّتَانِ نَجِسَتَانِ غَيْرُ مُتَغَيِّرَتَيْنِ إذَا جُمعَتَا لاَ تَغَيُّرِ عَادَتَا طَاهِرَتَينِ فَإذَا فُرِّقَتَا بَقِيَتَا عَلَى الطَّهارَةِ وَلَمْ يَضُرَّ التَّفْرِيقُ إلاَّ إذَا كَانتِ النَّجَاسَةُ جَامِدَةً فَبَقِيَتْ (¬2) في إحْدَى القُلَّتَيْنِ.
قال الرافعي: الماء القليل النجس إذا كُوثِرَ حتى بلغ قلتين، هل يعود طهورًا؟ نُظِر إن كوثر بغير الماء فلا؛ بل لو كمل الماء الناقص عن القلتين بِمَاءِ وَرْدٍ وصار مستهلكًا فيه، ثم وقعت فيه نجاسة تنجس وإن لم يتغير، وإنما لا تقبل النجاسة قلتان من محض الماء على ما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْن لَم يَحْمِل خَبَثًا" (¬3)، وإن كُوثِرَ بالماء نُظِر إن كان مستعملاً ففي عَوْدِ الطهورية وجهان:
أحدهما: لا يعود لاِنْسِلاَبِ قوة المستعمل، والتحاقه بسائر المائعات.
وأظهرهما: تعود، لأن الأصل فيه الطهورية، والضعف الذي عرض له ليس بأكثر من أن تعرض له النجاسة.
ولو كُوثِرَ الماء النجس بماء نجس ولا تغير، عادت الطهورية، ومأخذ هذا الخلاف كمأخذ الخلاف في أن المستعمل هل يعود بالكثرة طهورًا؟ وإن لم يكن مستعملاً عادت الطُّهُورِيَّةُ، فإن الأصل في الماء الطهورية، والنجاسة عرضت لعلة القلة، فإذا كثر عمل الأصل عمله، ثم التفريق بعد عود الطهورية لا يضر كما لو كان الماء قُلَّتَيْنِ عند وقوع النجاسة فيه، ولم يتغير ثم فرق ولا فرق بين أن يقع التَّكْمِيلُ بماء طاهر، أو نجس في عود الطهورية.
¬__________
(¬1) كالوسيط والبسط.
(¬2) في أفوقعت.
(¬3) تقدم.

الصفحة 49