كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

النجاسة كلها بقدر القلتين. والمعتدل ما لا يمكن فيه ذلك، ويدخل فيه الجَدَاوِلُ الصَّغِيرَةُ التي يجري فيها الماء اليسير، والأنهار التي يبلغ ما بين حافتيها قدر قلتين، ولكن لا يمكن التباعد فيها بقدر قلتين من كل جانب، وذكر إمام الحرمين -رضي الله عنه- أن النهر المعتدل هو الذي يفرض تغيره بالنَّجَاسَاتِ المُعْتَادَةِ، والعظيم ما لا يمكن تَغَيُّرُهُ بها (¬1). قال: والبعرة في النهر المعتدل كالجيفة في الوادي العظيم، وأما الحريم فقد فسّرَه بما يتغير شكله بسبب النجاسة، يعني ما ينسب إلى النجاسة بتحريكه إياها، وانعطافه عليها، أو التفافه بها، ولهذا اعتبر التغير في الشَّكلِ دون الرَّائِحَةِ، وسائر الصفات، وفي وجوب اجتناب الحريم، وجهان حكاهما في البسيط.
أحدهما: أنه لا يجتنب كغيره.
والثاني: وهو الذي ذكره هاهنا أنه يجتنب وإن لم يوجب التباعد [لأنه] في العِيَافَةِ وَالاسْتِقْذَارِ، كالمتغير بالنجاسة.
[ثم قال: "وهذا الحريم مجتنب في الماء الراكد" أيضاً] (¬2) وذكر في "البسيط" أنه لا يجتنب في الماء الراكد، وفرق بينه وبين الجاري على أحد الوجهين، بأن الراكد لاَ حَرَكَةَ له حتى ينفصل البعض عن البعض في الحكم، فكما يَجُوزُ الاغْتِرَافُ مما بعد من النجاسة يجوز الاغتراف من جوارها، وهذه الاختلافات تقتضي إعلام المُسْتَثْنى والمُستَثْنَى منه، في قوله: "فلا يجتنب فيه إلا حريم النجاسة", لأن منهم من أوجب اجتناب غير الحريم، ومنهم من لم يوجب اجتناب [غير] الحريم أيضاً، وكذلك إعلام قوله: "وهذا الحريم يجتنب أيضاً في الماء الراكد" فهذا شرح ما ذكره، ونعود إلى المَوْعُودِ، ونذكر أموراً من شرط محصل هذا الكتاب أن يعرفها.
أحدهما: حكمه بِطَهُورِيَّةِ القليل من الجاري إذا وقعت فيه نجاسة مائعة، ولم تغيره، كأنه اختيار القول القديم الذي حكاه صاحب التلخيص، وغيره في أن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير، وذلك القول قد اختاره طَائِفَةٌ من الأصحاب، ووجهوه بشيء آخر سوى ما ذكره في الكتاب، وهو أن الماء الجاري وارد على النجاسة، فلا
¬__________
(¬1) قال النووي: غير الماء من المائعات ينجس بملاقاة النجاسة، وان كثر. وإنما لا ينجس الماء لقوته. ولو توضأ من بئر، ثم أخرج منها دجاجة منتفخة، ولم يلزمه إن يعيد من صلاته إلا ما تيقن أنه صلاها بالماء النجس. ذكره صاحب (العدة) والله أعلم. وصورة المسألة. أن يكون ماء البئر قليلاً، أمَّا إذا كان كثيراً ولم يفتت شيء من أجزائها، فالماء الذي ينزعه من البئر طاهر وصلاته صحيحة، وذكر الدجاجة مثال، وإنما وصفها بالنفخ ليدل على تقادم موتها. ينظر الروضة 1/ 137.
(¬2) سقط في ب.

الصفحة 56