كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

فيه، وإن لم يبق الطعم نظر، إن بقي اللون وَحْدَهُ وكان سهل الإزالة فلا يطهر [حتى يزول] (¬1) وإن كان عسر الإزالة كَدَم الحَيْضِ يُصِيبُ الثوب، وربما لا يزول بعد المُبَالَغَةِ وَالاسْتِعَانَةِ بِالحَتِّ، وَالقَرْصِ فيطهَر، لما روي "أَنَّ نِسْوَةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلْنَهُ عَنْ دَمِ الحَيْضِ، يُصِيبُ الثَّوْبَ، وَذَكَرْنَ أَنَّ لَوْنَ الدَّم يَبْقَى، فَقَالَ الْطَخْنَهُ بِزَعْفَرَانِ" (¬2)، المعنى: أن اللون الباقي لا أثر له، فإن كرهتن رؤيتهَ فَالطَخنَهُ بزعفران. وعن خولة بنت يسار قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن دم الحيض فقال: "اغسِلِيهِ" فقلت: أَغْسِلُهُ فَيَبْقَى أَثَرهُ [فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: [الْمَاءُ] يَكفِيكِ وَلاَ يَضُرُّكِ أَثْرُهُ (¬3)] " وإن بقيت الرائحة وحدها، وهي عَسِرَةُ الإزالة كرائحة الخمر، فهل يطهر المحل؟ فيه قولان: وقيل: وجهان:
والأول أصح، أحدهما: لا، لأن بقاء الرائحة يدل على بقاء العين، فصار كَالطَّعْمِ، وهذا هو القياس في اللون، لكن منعنا عنه الأخبار.
والثاني: وهو الأصح أنه يطهر؛ لأنَّا إنما احتملنا بقاء اللون لمكان المشقة في إزالته، وهذا المعنى موجود في الرائحة، وروى في اللون أيضاً وجه، أنه لا يطهر المحل ما دام باقياً، ذكره في "التتمة" ونسبه إمام الحرمين إلى صاحب التَّلْخيص، فلو أعلمت قوله "فمعفو"، إشارة إلى هذا الوجه لما كان به بأس.
لمان بقي اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ معاً، فلا يطهر المحل لقوة دلالتهما على بقاء العين، وفيه وجه ضعيف، ويتبين لك بما حكيناه أن قوله: "فإن بقي طعم لم يطهر" هذا لا يجري على إطلاقه، لأنه لا فرق بين أن يبقى وحده، أو مع غيره، من الصفات الثلاثة.
وقوله في الرائحة، واللون، غير محمول على إطلاقه؛ بل المراد ما إذا كان كل واحد منهما وحدة. ثم لك في قوله: "وإن بقي لون بعد الحَتِّ، والقَرْصِ فمعفو" مبحثان:
إحداهما: الاسْتِعَانَةُ بِالحَتِّ وَالقَرْصِ، وهل هي شرط أم لا؟ ظاهر كلامه يقتضي الاشتراط وبه يشعر نقل بعضهم، لكن الذي نص عليه المعظم خلافه، واحتجوا عليه بحديث خولة واقتصروا على الاسْتِحبَابِ.
¬__________
(¬1) سقط في ط.
(¬2) قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث لا أعلم من أخرجه هكذا. لكن روى موقوفاً فروى الدارمي في مسنده عن معاذة عن عائشة أنها قالت: إذا غسلت الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة، أو زعفران، ورواه أبو داود بلفظ: قلت لعائشة في دم الحائض يصيب الثوب قالت: تغسله، فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة موقوف. انظر التلخيص 1/ 36.
(¬3) أخرجه أبو داود في رواية ابن الأعرابي والبيهقي من طريقين عن خولة، وفيه ابن لهيعة قال إبراهيم الحربي: لم يسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث، ورواه الطبراني في الكبير من حديث خولة بنت حكيم وإسناده أضعف من الأول. انظر التلخيص 1/ 36.

الصفحة 59