كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

الثانية: لم قال: فَمَعْفُوٌّ، ولم يقل: فطاهر أهو نجس، لكن يعفى عنه، أم كيف الحال؟ أطلق الأكثرون القول بالطهارة، ويجوز أن يقال: إنه نجس لكن يعفى عنه كما في أثر محل الاستنجاء ودم البراغيث وليس في الأخبار تصريح بالطهارة وإنما تقتضي العفو والمسامحة، وقد تعرض في "التتمة" لمثل هذا في الرائحة، فقال: إن قلنا: لا يطهر فهو معفو عنه، كدم البراغث.
قال الغزالي: ثُمَّ يُسْتَحَبُّ الاسْتِظهَارُ بِغَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ وَفِي وُجُوبِ العَصْرِ وَجْهَانِ فَإنْ وَجَبَ العَصْرُ فَفِي الاكْتِفَاءِ بِالجَفَافِ وَجْهَانِ.
قال الرافعي: قوله: "ثم يستحب الاستظهار" يجوز أن يقرأ بالطاء والظاء - فالاستطهار طلب الطهارة، والاستظهار طلب الاحتياط، وهذا كما قال الشافعي -رضي الله عنه- في المبتدأة المميزة إذا استحيضت "لا يجوز لها أن تستظهر بثلاثة أيام"، قُرِئَ بها جميعاً، والغرض أن التَّثْلِيثَ مستحب في إزالة النجاسة، كما في رفع الحدث، واحتجوا عليه بأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَرَ المُسْتَيْقِظَ مِنْ نَوْمِهِ بِأَنْ لاَ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الإنَاءِ حَتَّى يَغسِلَهَا ثَلاثًا" (¬1) لتوهم النجاسة، فعند تحققها أولى، وإنما يَتَأَدَّى الاستحباب إذا وقعت المرة الثانية، والثالثة، بعد زوال النجاسة. أما الغَسَلاَت المحتاج إليها لإزالة النجاسة فلا بد منها واستحباب الاستظهار يشمل النجاسة الحُكْمِيَّةَ، والعَيْنِيَّةَ، وقد حكينا عن مذهب أحمد أن العدد واجب في إزالة النَّجَاسَاتِ مطلقاً، فينبغي أن يكون قوله: "ثم يستحب" معلماً بالألف، وأما [مسألة] (¬2) العصر، فقد اختلفوا في حصول الطَّهَارَةِ قبله على وجهين، وبنوهما على أن الغسالة طاهرة، أم نجسة؟ إن قلنا: إنها طاهرة فلا حاجة إلى العصر، وهو الأصح، وإلا فَالغُسَالَة باقية فلا تطهر، وعلى هذا هل يكتفي [قبل العصر] (¬3) بالجفاف؟ فيه وجهان:
أصحهما نعم: لأن زوال الغُسَالَةِ بِالجَفَافِ أبلغ منه بالعَصْرِ.
والثاني: لا، لأنا بالعصر نَتَوَهَّمُ انتقال أجزاء النجاسة [في صحبة الماء، وعند الجَفَافِ لا يزول إلا بَلَلُ الماء، وتبقى أجزاء النجاسة]، وقد يستدرك على العبارة التي ذكرها في تفريع الوجهين في الجفاف على وجوب العصر، لأن التَّفْرِيعَ على الشيء لا ينبغي أن يرفع الأصل. ومن قال: تطهر بالجفاف، لا ينتظر منه القول بوجوب العصر، واشتراطه؛ بل الشرط عنده زَوَال البلل، إما بالعصر، أو بالجفاف فالعبارة السليمة أن يقال: إذا غسل المَحِلُّ، ولم يعصر، هل يطهر مع بقاء البلل؟ فيه وجهان: إن قلنا: لا يطهر، فهل يطهر إذا جفّ؟ فيه وجهان.
¬__________
(¬1) تقدم وهذا اللفظ عند الدارقطني من حديث ابن عمر بسند حسن انظر التلخيص 1/ 36.
(¬2) (¬3) سقط في ط.

الصفحة 60