كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 1)

والرابع: فيما يعتبر من الأحكام باعتبار الظروف، والأواني.
وقوله: "والمُطَهِّرُ لِلْحَدَثِ وَالخَبَثِ"، هو الماء من بين سائر المائعات.
وفيه كلامان:
أحدهما: أن الخَبَثَ مَرْقُومٌ فيه النسخ بِرَقَمِ أبي حنيفة (¬1) -رحمه الله تعالى-، دون الحدث بناء على أن المشهور أن الطّهُورِيَّةَ مخصوصة بالماء في الحدث إجماعاً (¬2)، ولكنه في الخبث مختلف فيه بيننا [وبين أبي حنيفة] (¬3). ولك أن تقول دعوة الإجماع في الحدث على إطلاقه لا يَستقيم، لأن نَبِيذَ التَّمْرِ عنده طَهِورٌ في السفر عند إعواز (¬4) الماء، وإذا كان كذلك فلو جعل الرقم على قوله هو الماء ليشملها جميعاً لم يضر.
الثاني: لم قال من بين سائر المَائِعَاتِ، ولم يقتصر على قوله، والمُطَهِّرُ للحدث والخبث، هو: الماء.
والجواب أنه لو اقتصر عليه لأشكل بِالتُّرَابِ فإنه مطهر، وليس بماء.
واعلم أنه لو أراد تخصيص الطهورية في الحدث والخبث جميعًا بالماء لما لزم هذا الإِشْكَالُ، لكنه لم يرد التَّخْصِيصَ في الفصلين جميعًا، وإنما أراد التخصيص في كل واحد منهما، فوجب الاحْتِرَازُ. فإن قلت: ولم اختصت الطهورية بالماء.
قلنا: أما في الحدث، فلقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (¬5) لولا اخْتِصَاصُ الوضوء بالماء لما نقل إلى التراب إلا بعد فقد ما يشارك الماء في الطهورية من المَائِعَاتِ
¬__________
(¬1) الإمام البارع أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى - بضم الزاي وفتح الطاء ابن ماه التيمي الكوفي إمام المذهب الحنفي، وأحد الأئمة الأربعة التي عليها مدار الناس قال الشافعي: (الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه) ولد سنة 81 هـ، وتوفي سنة 150 العبر 1/ 214، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 216، الجواهر المضيئة (1/ 26 - 32).
(¬2) الإجماع في اللغة: العزم المصمم والاتفاق. وعند الأصوليين: اتفاق مجتهدي أمة الإجابة في عصر من العصور على أمرٍ من أمور الدين بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-. انظر: القاموس 3/ 15، المصباح المنير 1/ 171، المعتمد 2/ 457، المستصفى 1/ 110، الإحكام للآمدي 2/ 280، منتهى السول 1/ 49، المحصول 2/ 1/ 19، شرح التنقيح 322، الإبهاج 2/ 389، المنتهى لابن الحاجب 37، جمع الجوامع حاشية البناني 2/ 77، العضد على المختصر 2/ 29، كشف الأسرار 3/ 227، تيسير التحرير 3/ 224، شرح الكوكب 2/ 210. انظر سلاسل الذهب 337.
(¬3) في ط (وبينه).
(¬4) عوز الشيء عوزًا من باب تعب عزْ فلم يوجد وعزت المشيء أعوزه من باب قال احتجت إليه فلم أجده وأعوزني المطلوب مثل أعجزني المصباح المنير 2/ 598.
(¬5) سورة النساء (43)، والمائدة (6).

الصفحة 8