كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 2)

الصَّدَقَةُ" (¬1). وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لاَ تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ" (¬2).
إذا تقرر ذلك فيجب على الولي إخراجهما من مالهما، فإن لم يَفْعَل أخرج الصَّبي بعد البلوغ والمجنون بعد الإفَاقَة زكاة ما مضى، وهل تجب في المال المنسوب إلى الجنين؟ حكى إمام الحرمين فيه تردداً لوالده -رحمهما الله- قال: والذي ذهب إليه الأئمة أنَّ الزَّكاة لا تجب فيه؛ لأن حياة الحمل غير موثوق بها، وكذلك وجوده، ونحن وإن قضينا بأن الحمل يعرف، فالحكم يتعلّق به عند انفصاله.
والثاني: أنه تجب الزكاة إذا انفصل، كما في مال الصَّبيّ والمجنون.
الثانية: الكافر الأصلي غير ملزم بإخراج الزَّكَاة لا في الحال ولا بعد الإسلام، وأما المرتد فلا يسقط عنه ما وجب في الإسلام، فإذا حال الحَوْل على ماله في الرّدة، فهل تجب فيه الزكاة؟ يبني على الخلاف في ملكه، إن قلنا: يزول ملكه بالرّدّة فلا، وإن قلنا: لا يزول فنعم مؤخذة له بحكم الإسلام، وإن قلنا: إنه موقوف إلى أنْ يعود إلى الإسلام، أو يهلك على الردة، فالزكاة أيضاً على الوقف، فإن قلنا: لا يزول ملكه وأوجبنا الزكاة، فقد ذكر في "التَّهْذيب" أنه لو أخرج في حال الردة جاز كما لو أطعم عن الكفَّارة بخلاف الصوم لا يصح منه؛ لأنه عمل البدن فلا يصح إلا ممن يكتب له، وروي في "النَّهاية" عن صاحب "التقريب": أنه لا يبعد أن يقال: لا يخرجها ما دام مرتّداً، وكذا الزَّكَاة الواجبة قبل الردة؛ لأن الزكاة قربة مفتقرة إلى النية، فعلى هذا إن عاد إلى الإسلام أخرج الزَّكَاة الواجبة في الردة وقبلها، وإن هلك على الردة حصل اليأس عن الأداء وبقيت العقوبة في الآخرة. قال الإمام: هذا خلاف ما قطع به الأصحاب، لكن يحتمل أن يقال: إذا أخرج في الرّدة ثم أسلم، هل يعيد الزكاة؟ فيه وجهان كالوجهين في الممتنع، إذا ظفر الإمام بماله وأخذ الزكاة منه، هل يجزئه أم لا؟ ولك أن تعلّم قوله في الكتاب: "إن قلنا يبقى ملكه" بالواو؛ لأن الحَنَّاطي ذكر أنه يحكي عن ابن سُرَيج أنه تجب الزكاة على الأقاويل كلها كالنَّفقات والغرامات.
الثالثة: لا تجب الزكاة على المكاتب، لا العشر ولا غيره وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يجب العُشْر في زرعه.
لنا: ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ" (¬3).
¬__________
(¬1) أخرجه الترمذي (636) وقال: هذا الحديث إنما يروى من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، لأن المثنى ابن الصباح يضعف في الحديث، وأخرجه الدارقطني (2/ 109) والبيهقي (4/ 104) وانظر التلخيص (2/ 157).
(¬2) أخرجه الشافعي (620) وانظر التلخيص (2/ 158).
(¬3) أخرجه الدارقطني من رواية جابر بإسناد ضعيف (2/ 108) والبيهقي (4/ 109) وقال رفعه ضعيف، والصحيح أنه موقوف على جابر -رضي الله عنه-.

الصفحة 561