كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 2)

فلا يعد مقصراً بترك البَحْثِ عنه، وقد يفجأ الخرق لبعض العوارض أيضاً؛ أما إذَا حدث مناقِضٌ في الصلاة لا باختياره ولا تقصير منه فإن أمكن إزالته على الاتصال بحدوثه؛ كما لو انكشفت عورتُه فرد الثوب في الحال، أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفض ثوبه وسقطت في الحال، فلا يقدح في صحة الصلاة، وكذا لو ألقى الثوب الذي وقعت عليه النجاسة في الحال صحت صَلاتُه، ولا يجوز أن ينحيها بيده أو كمه، هكذا نقل صاحب "التهذيب" وغيره، وإن احتاج في الدفع إلى زمان يتخلل بين عروضه واندفاعه، ففيه القولان المذكوران في سبق الحدث.
وقوله: (يجري هذا القول في دفع كل مناقض لا تقصير منه فيه) -يعني- به هذه الحالة، وإن كان اللفظ مطلقاً، فأما إذا دفعه في الحال، فالصلاة صحيحة بلا خلاف.
ومثال ما يحتاج في دفعه إلى زمان: ما إذا تنجس ثوبه، أو بدنه واحتاج إلى الغسل، أو طيرت الريح ثوبه وأبعدته.
ولو أصاب المصلي جرح، وخرج منه دم على سبيل الدَّفْقِ، ولم يلوث البَشرة فقد قال في "التتمة": لا تبطل صلاته بحال، لأن المنفصل منه غير مضافٍ إليه، ولعل هذا فيما إذا لم يمكن غسل موضع الانفتاق، أو كان ما أصابه قليلاً، وقلنا: القليل من الدّم معفوٌّ عنه كما سيأتي، وإلا فقد صار ذلك من الطَّاهِرِ فيجب غسله.
قال الغزالي: الشّرْطُ الثَّانِي: طَهَارَةُ الخَبَثِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الثَّوْبَ وَالبدَنِ وَالمَكَانِ (وَأَمَّا الثَّوْبُ) فإِنْ أَصَابَ أَحَدَ كُمَّيهِ نَجَاسَةٌ فَأدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَحَدِهِمَا فَغَسَلَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ استَيقَنَ نَجَاسَةَ الثَّوْبِ وَلَمْ يْسَتَيقِنْ طَهَارَتَهُ.
قال الرافعي: النجاسة قسمان:
أحدهما: النجاسة التي تقع في مظنة العذر والعفو.
والثاني: التي تقع فيها.
أما الأول: فيجب الاحتراز عنه في ثلاثة أشياء: في الثوب، والبدن، والمكان، ويجوز أن يعلم قوله: (فهي واجبة) بالميم؛ لأن أصحابنا نقلوا عن مالك أن إزالة النجاسة عنده لا تجب للصلاة، وإنما تستحب، ويدل على وجوب طهارة الثَّوْبِ قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (¬1). وقد قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأسماء -رضي الله عنها- "حِتِّيهِ، ثُمَّ [اقْرِضِيهِ] (¬2) ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالمَاءِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ" (¬3) فإن أصابه نجاسة، وعرف موضعها منه،
¬__________
(¬1) سورة المدثر، الآية 4.
(¬2) في (أ) اقرصيه وهما بمعنى واحد.
(¬3) سبق تخريجه.

الصفحة 6