كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)
معقود له. والأصل في زكاة المعدن بعد الإجماع (¬1) قولُه تعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (¬2) ومما أُخْرِج لنا من الأرض المَعَادِنَ.
وروي أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْطَعَ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثَ الْمُزَنِي الْمَعَادِنَ القَبِلِيَّةَ وَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةُ" (¬3). وفقه الفصل الذي أخذنا في شرحه مسائل:
إحداها: لا زكاة في المُسْتَخرَج من المعادن إلا في الذَّهَبِ وَالْفِضَّة، خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- حيث أوجب في كل جوهر ينطبع ويصير عَلى المطرقة كالحديد والنُّحَاس دون ما لا يَنْطَبع كالكحل والفيروزج والياقوت، ولأحمد حيث قال: "يجب في كُلِّ مستفَادٍ من المعدن منطبعاً كان أو غير منطبع"، وحكى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيّ في "شرح التلخيص" وجهاً مثله عن بعض الأصحاب.
لنا مع أبي حنيفة: القياس على غير المنطبعات، ومع أحمد على الطِّين الأحمر، وأيضاً فقد روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ زَكَاةَ فِي حَجَرٍ" (¬4).
الثانية: في واجب النَّقْدَين المستخرجين من المعدن ثلاثة أقوال:
أصحها: أن الواجب فيها ربع العشر، وبه قال أحمد، لمُطْلَق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ" (¬5). وروى -صلى الله عليه وسلم- قال: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَفِي الْمَعْدِنِ الصَّدَقَةُ" (¬6).
والثاني: وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن المزني أيضاً: أن الواجب الخمس؛ لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَفِي الرِّكَاز الْخُمُسُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الرِّكَازُ؟ قَالَ: هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ المَخْلُوقَانِ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ" (¬7).
¬__________
(¬1) قال الشيخ البلقيني: لا إجماع في ذلك، وسيأتي في كلامه أن المأخوذ يصرف مصرف خمس الخمس وحينئذ فلا يكون زكاة ويؤخذ من الذمي. قلت: وحكى الإجماع أيضاً في شرح المهذب.
(¬2) سورة البقرة، الآية 267.
(¬3) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 190 - 191) وأبو داود (3063) وقال الشافعى ليس هو مما يثبت أهل الحديث وخالف الحاكم فقال صحيح، وانظر التلخيص (2/ 181).
(¬4) أخرجه البيهقي (4/ 146) من رواية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده من طرق عنه، ثم قال رواته عن عمر وكلهم ضعيف، وانظر التلخيص (2/ 181).
(¬5) تقدم.
(¬6) قال الحافظ في التلخيص لم أجده هكذا، لكن اتفقا على الجملة الأولى من حديث أبي هريرة، أخرجه البخاري (1499، 2355، 6912، 6813) ومسلم (1710).
(¬7) أخرجه البيهقي (4/ 152) من رواية أبي هريرة قال: تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف جداً، جرحه أحمد وابن معين والشافعي.