كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

صَدَقَتِهِ قبل أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ (¬1).
إذا عرفت ذلك فالحاجة تمسُّ إلى معرفة أن التَّعجيل بأية مدة يجوز، وأنه إذا عَجّل في الوقت يجزئه على الإطلاق أوله شرائط، وأنه إذا لم يقع مجزئاً هل للمعجل أن يرجع فيما دفع؟ فلذلك قال: "والنَّظر في ثلاثة أمور":
أحدها: في التَّعْجيل والأموال الزَّكوية ضربان:
أحدهما: مال تجب فيه الزَّكَة بالحَوْل والنصاب فيجوز تعجيل زكاته قبل الحول خلافاً لمالك، حيث قال: لا يجوز. قال المسعودي: إلاَّ أن يقرب وقت الوجوب فإن لم يبق من الحَوْلِ إلاَّ يوم أو يومان.
لنا ما سبق من الخبر وأيضاً فإن الزَّكَاة حقٌّ مالي أجل رفقاً فجاز تعجيله قبل محلّه كالدين المؤجل وككفار اليمين قبل الحنْث، فإن مالكاً سلم جواز التّعجيل في الكَفَّارة، ولا يجوز التَّعجيل قبل [تمام] (¬2) النِّصاب كما إذا ملك مائة درهم فعجل منها خمسة دراهم، أو ملك تسعاً وثلاثين شاة فعجل شاة ليكون المعجَّل عن زكاته إذا أتم النّصاب وحال الحول عليه، وذلك لأن الحَقَّ المالي إذا تعلَّق بشيئين ووجد أحدهما يجوز تقديمه على الآخر، لكن لا يجوز تقديمه عليهما جميعاً أَلاَ ترى أنه يجوز تقديم الكفارة على الحنث إذا كان قد حلف، ولا يجوز تقديمها على الحنث واليمين جميعاً؛ وهذا في الزكاة العينية، أما إذا اشترى عرضاً للتجارة يساوي مائة درهم فعجل زكاة مائتين، وحال الحول وهو يساوي مائتين جاز المعجل عن الزكاة على ظاهر المذهب، وإن لم يكن يوم التَّعجيل نصاباً؛ لأن الحول منعقد والاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول، ولو ملك أربعين من الغنم المَعْلُوفة وعجَّل شاة على عزم أن يسيمها حولاً لم يقع عن الزكاة إذا أسامها؛ لأن المَعْلُوفة ليست مال الزَّكَاة كالناقص عن النصاب، وإنما تعجل الزكاة بعد انعقاد الحَوْل، ولو عجل صدقة عامين فصاعداً فهل يجزئ المخرج عما عدا السنة الأولى؟ في وجهان:
أحدهما: نعم لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَسَلَّفْتُ مِنَ العَبَّاسِ صَدَقَةٌ عَامَيْنِ" (¬3).
وبهذا قال أبو إسحاق.
¬__________
(¬1) أخرجه أبو داود (1624)، والترمذي (679)، وابن ماجة (1795)، والحاكم (1/ 104)، (3/ 332)، والبيهقي (4/ 111) وقال الدارقطني وغيره: إرساله أصح.
(¬2) في أ "كمال".
(¬3) أخرجه الدارقطني (2/ 124 - 125) من رواية طلحة، وابن عباس بإسناد ضعيف، والبيهقي (4/ 111) من رواية على وقال: فيه إرسال.

الصفحة 15