كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

الزَّرْعُ فَوُجُوبُ زَكَاتِهِ بِالفَرْكِ وَالتَّنْقِيَةِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ الأِدْرَاكِ وَبَعْدَ الإِدْرَاكِ وَإِنْ لَمْ تُفْرَكْ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بَعْدَ ظُهُورِ الحَبِّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ.
قال الرافعي: الضرب الثاني: ما لا يتعلق وجوب الزَّكَاة فيه بالحول كالثمار والزروع، ولنتكلم في زكاة الفِطْر أولاً.
أما: أنها تجب فسيأتي في موضعه، وأما تعجيلها فيجوز بعد دخول شهر رمضان؛ لأن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يبعث صَدَقَة الفطر إلى الَّذي يجمع عنده قبل الفطر بيومين (¬1)، واحتج له أيضاً بأن وجوبها بشيئين برمضان والفطر منه، وقد وجد أحدهما وهو حصول رمضان، هذا ما قاله جمهور الأصحاب، وذكر أبو سعيد المُتَوَلِّي: أن زمان جواز تعجيلها من أول اليوم الأول من رمضان لا من أول رمضان؛ لأن زكاة الفطر وجبت بالفطر عن رمضان، والصوم هو سبب الفطر فلا تعجل زكاة الفطر قبل سبب الفطر. وقوله في الكتاب: "فتعجل في أول رمضان" يجوز أن يعلّم بالواو لما حكينا عن "التتمة"، ولأنه لابتداء الغاية في جواز تعجيلها على دخول رمضان وجهان كالوجهين في تعجيل صدقة عامين والأصح المنع كما هو قضية لفظه، ويجوز أن يعلّم بالحاء أيضاً؛ لأن عند أبي حنيفة أنه يجوز تقديمها على رمضان من غير ضبط وبالألف؛ لأن عند أحمد أنه لا تعجل من أول رمضان، إنما تعجل قبل الفطر بيوم أو يومين.
وأما الثمار والزروع: فاعلم: أن زكاة الثِّمَار تجب ببدُوِّ الصّلاح، وزكاة الزُّروع تجب باشتداد الحب على ما سيأتي، وليس المراد منه وجوب الأداء بل المراد أن حقَّ المساكين يثبت في هاتين الحالتين ثم الإخراج يلزم بعد الجفاف وتنقية الحبوب (¬2).
إذا عرفت ذلك فالإخراج بعدما صار الرّطب تمراً والعنب زبيباً ليس بتعجيل بل هو لازم حينئذ، ولا خلاف أنه لا يجوز التقديم على بُدُوِّ الصَّلاح وخروج الثمرة كما لا يجوز التَّعجيل في الضرب الأول على كمال النصاب، ووراء ذلك للثمار حالتان:
إحداهما: ما بعد الطّلع وخروج الثّمرة، وقبل بدو الصلاح وفيه وجهان:
أظهرهما عند أكثر العراقيين وتابعهم في "التهذيب": أنه لا يجوز الإخراج، ووجهوه بشيئين:
أحدهما: أنه لا يظهر ما يمكن معرفة مقداره تحقيقاً، ولا حرصاً وتخميناً فصار كما لو قدم الزَّكَاة على النِّصاب.
¬__________
(¬1) أخرجه مالك (1/ 210) ومن طريقه الشافعي (616)، والبيهقي (4/ 175).
(¬2) وذكر الإمام مانعاً آخر وهو أنه لو خرج من الحب قبل التنقية ومن الرطب لم يجز.

الصفحة 18