كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)
يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ" (¬1). وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ" (¬2).
والعج: هو رَفْعُ الصَّوْتِ، وإنما يستحب الرفع في حَقِّ الرجل، ولا يرفع بحيث يجهده ويقطع صَوْتَه، والنساء يَقْتَصِرْنَ على إِسْمَاع أنفسهِنَّ، ولا يَجْهَرْن كما لا يجهرن بالقراءة في الصَّلاَةِ. قال القَاضِي الرّوَيانِي: ولو رَفعت صوتها بالتلبية لم يحرم؛ لأن صَوْتَها ليس بعَوْرَةِ خلافاً لبعض أصحابنا. والأحب أن لا يزيد في التلبية على تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل يُكَرِّرُهَا، وبه قال أحمد، وعن أصحاب أبي حنيفة -رحمهم الله- أن الأحب الزيادة فيها، وتلبيته: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعمَةَ لَكَ وَالْمَلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ" (¬3).
وقوله: (إن قد تكسر) على تقدير الابتداء، وقد تفتح على معنى لأن الحمد (¬4). فإن رأى شيئاً يعجبه قال: لَبَّيْكَ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ، ثبت ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (¬5) وروى في بعض الرِّوايات أنه قال في تلبيته: "لَبَّيْكَ حَقًّا حقًّا تَعَبُّداً وَرِقّاً" (¬6).
ولو زاد على تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما نقل بأنه مكروه روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يزيد فيها: "لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بيَدَيْكَ، وَالرَّهْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ". ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يُصَلِّي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن يسأل الله رِضْوَانُهُ والجَنَّة، ويستعيذ به من النَّارِ، يقول: أَسْألُكِ رِضَاكَ وَأَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ فِي حَجٍّ أو عُمرَةٍ سَألَ اللهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ" (¬7).
¬__________
(¬1) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 244) وأبو داود (1814) والترمذي (829) وقال: حسن صحيح، والنسائي (5/ 162) وابن ماجة (2922) والشافعي (939) وأحمد (4/ 55، 56) وا لحميدي (853) والحاكم (1/ 450) وقال: إسناده صحيح، والبيهقي (5/ 42).
(¬2) أخرجه الترمذي (827) وقال: غريب وفيه انقطاع، وأخرجه ابن ماجة (2924) والحاكم في المستدرك (1/ 450 - 451) وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه البيهقي (5/ 42) وانظر التلخيص (2/ 239 - 240). وقال الترمذي: العج: رفع الصوت بالتلبية، والحج نحر البدن.
(¬3) أخرجه البخاري (1549) ومسلم (1184) والترمذي (825).
(¬4) قال النووي: الكسر أصح وأشهر.
(¬5) أخرجه الشافعي (934) ومن طريقه البيهقي مرسلاً (5/ 45) والحاكم في المستدرك (1/ 465) وابن خزيمة (2831).
(¬6) قال الحافظ في التلخيص (1/ 240): أخرجه البزار من حديث أنس، وذكر الدارقطني في "العلل" الاختلاف فيه، وساقه بسنده مرفوعاً، ورجح وقفه.
(¬7) قال الحافظ في التلخيص (1/ 240): أخرجه الشافعي من حديث خزيمة بن ثابت، وفيه صالح بن محمد بن أبي زائدة أبو واقد الليثي، مدني ضعيف.