كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

وقوله: (ويجلس) أي: بعدها.
وقوله: (ثم يقوم إلى الثانية ويبدأ المؤذن بالأذان).
وأعلم: قوله (ويبدأ) بالحاء؛ لما ذكرنا أن عنده يُقَدَّمُ الأَذَان.
قال الغزالي: ثُمَّ يُقْبِلُونَ عَلَى الدُّعَاءِ إلَى وَقْتِ الغرُوبِ وَيُفِيضُونَ بَعْدَ الغُرُوب إلَى مُزْدَلِفَة يُصَلُّونَ بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ.
قال الرافعي: السنة لِلْحَجِيج بَعْدَ الصَّلاَتيْنِ أن يَقِفُوا عند الصَّخَرَاتِ ويستقبلوا القِبْلَة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "وَقَفَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخْرَاتِ" (¬1).
وهل الوقوفُ رَاكِباَ أَفْضَلُ؟ فيه قولان:
أحدهما: لا، بل سواء، قاله في "الأم".
وأظهرهما: وبه قال أحمد: "أَنَّ الْوُقُوفَ رَاكِبًا أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-" (¬2). وليكون أقوى الدُّعاء، قاله في "الإملاء" والذين. ويذكرون الله تعالى ويدعونه إِلَى غروب الشمس، ويكثرون من التهْلِيلِ، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدُهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ" (¬3).
وأضيف إليه (¬4) "لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي"، فإذا غربت الشَّمْس دفعوا من عَرَفَات منصرفين إلى مُزْدَلِفَةَ، وَيُؤَخِّرُونَ المَغْرِبَ إلى أن يصلوها مع العِشَاء بمزدلفة، وليكن عليهم في الدَّفْع السكينة والوَقَار؛ لكيلاَ يتأذى البعض بمصادمة البعض، فإن وجد بعضهم فرجة أسْرع، وروى أنه -صلى الله عليه وسلم- "كانَ يَسِيرُ حِينَ دَفع فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْعَنَقَ فَإذَا وَجَدَ فَجْوَةً (¬5) " نَصَّ (¬6). فإذا حصلوا بمزدلفة، جمع الإمام بهم بين المَغْربِ والعِشَاءِ، وحكم الأذان والإقامة لَهُمَا قَدْ مَرَّ في موضعه.
¬__________
(¬1) أخرجه من مسلم من حديث جابر الطويل (1218).
(¬2) أخرجه البخاري من رواية أم الفضل (1658، 1661، 1988، 5604، 5618، 5636) ومسلم (1123).
(¬3) أخرجه مالك (1/ 167 - 168) والبيهقي (5/ 117) من رواية طلحة بن عبد الله بن كريز، وهذا مرسل؛ لأن طلحة هذا تابعي كوفي، وقال البيهقي: وقد روى عن مالك بإسناد آخر موصولاً ووصله ضعيف.
(¬4) أخرجه البيهقي (5/ 117) من حديث عمرو بن شعيب عن أبي عن جده، وإسناد عمرو بن شعيب حسن.
(¬5) في الأصول فرجه، وما أثبتاه تبعاً للحافظ ابن حجر، حيث قال: ثبت في الرافعي فرجة وهو تحريف.
(¬6) أخرجه البخاري (1666، 2999، 4413) ومسلم (1280).

الصفحة 414