كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

فيه، فإن فرق بنفسه فلا بد من النية كما بيناه، وإن ناب عنه غيره كذلك يفرض على وجوه: منها: نيابة الوَلِيّ عن الصبي والمجنون، ويجب عليه أن ينوي، لأن المؤدي عنه ليس أهلاً (¬1) للنية كما ليس أهلاً للقسم والتَّفريق فينوب عنه في النية كما ينوب عنه في القسم. قال القاضي ابْنُ كج: "فلو دفع من غير نية لم يقع الموقع عليه الضمان".
ومنها: أن يتولى السلطان قسم زكاته، وذلك إما أن يكون بدفعه إلى السلطان طوعاً أو يأخذ السلطان منه كرهاً، فإن دفع طوعاً ونوى عند الدفع كفى، وإن لم يَنْوِ السلطان لأنه نائب المستحقين فالدفع إليه كالدفع إليهم، وإن لم يَنْوِ صاحب المال ونوى السلطان أو لم ينو هو أيضاً ففيه وجهان:
أحدهما: وهو ظاهر كلامه في "المختصر" ولم يذكر كثيراً من العراقيين سواه: أنه يجزئ، ووجهوه بأنه لا يدفع إلى السُّلْطان إلاَّ الفرض، وهو لا يفرق على أهل السّهمان إلا الفرض، فأغنت هذه القرينة عن النية.
والثاني: لا يجزئ؛ الإمام نائب الفقراء، ولو دفع إليهم بغير نِيَّة لم يجز، فكذلك إذا دفع إلى نَائِبِهِمْ.
قال صاحب "المهذب" و"التهذيب" وجمهور المتأخرين: هذا أصح، وهو اختيار القاضي أبي الطيب، وحملوا كلام الشَّافعي -رضي الله عنه- على الممتنع يجزئه المأخوذ وإن لم ينو، لن نقل عن نصه في "الأم" أنه قال: يجزئه وإن لم يَنْوِ طائعاً كان أو كارهاً، وأما إذا امتنع عن أداء الزكاة فللسلطان أخذها منه كرهاً، خلافاً لأبي حنيفة.
لنا قوله -تعالى جده-: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" (¬2).
ولا يأخذ إلا قدر الزَّكاة على الجديد، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ" (¬3).
وقال في القديم: يأخذ مع الزكاة شَطْر ماله لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ
¬__________
(¬1) علله الأصحاب. والتعليل المذكور يقتضي أنه السفيه يتعاطى النية لأنه من أهلها. قال ابن الرفعة: وفي الاعتداد بنيته نظر، وكلامه يقتضي عدم الوقوف عليها، وقد صرح به الجرجاني في الشافعي، فقال -بعد أن ذكر وجوبها على الصبي والمجنون والسفيه-: "ويخرجها الولي عنهم ويتولى لهم" هذه عبارته، وصرح بها أيضاً في "شرح المهذب"، وحكى فيها الاتفاق ونقله عن الرافعي وغيره، والرافعي لم يذكره في السفيه، بل ذكر الصبي والمجنون خاصة. (تعليقة الفوائد).
(¬2) سورة التوبة، الآية 103.
(¬3) أخرجه ابن ماجة (1719) من حديث فاطمة بنت قيس بإسنادٍ واه، وقال البيهقي (4/ 84): ولست أحفظ له إسناداً صحيحاً قال: وروي في معناه أحاديث.

الصفحة 9