كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 3)

بَلْ لاَ يَسْقُطُ إِذَا قَصَدَ أَنْ يَكْنِزَهُمَا حُلِيًّا لِأنَّ الاسْتِعْمَال المُحْتَاجَ إِلَيْهِ لَمْ يَقْصِدْهُ.
قال الرافعي: لا زكاة فيما سوى النقدين من الجواهر النفيسة، كاللؤلؤ، والياقوت ونحوهما، ولا في المسك والعنبر، روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "لاَ شَيْءَ فِي الْعَنْبَرِ" (¬1). وعن عائشة -رضي الله عنها-: أنه: "لاَ زَكَاةَ فِي اللُّؤلُؤِ" (¬2). وبما تناط زكاة النقدين أتناط بجوهرهما؟ أم بالاستغناء عن الانتفاع بهما؟ فيه قولان:
في قول: يناط بجوهرهما كالربا في قول بالاستغناء عن الانتفاع بهما؛ إذ لا يتعلق بذاتهما غرض، وبقاؤهما في يده يدل على أنه غَنِيّ عن التوسل بهما، ويبنى على العبارتين وجوب الزَّكَاة في الحُلِيّ (¬3) المباح: فعلى الأولى تجب. وبه قال عمر وابن عباس وابن مسعود -رضي الله عنهم- (¬4) وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله-؛ لما روي: "أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أتَتَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفي أيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ، قالَتَا: لاَ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللهُ بِسِوَارَينِ مِنْ نَارٍ، قَالَتَا: لا، قال: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ" (¬5). وعلى العبارة الثانية لا تجب الزكاة فيه. وبه قال ابن عمر، وجابر وعائشة (¬6) -رضي الله عنهم- وهو مذهب مالك وأحمد؛ لما روي: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ زَكَاةَ فِي الحُلِيِّ" (¬7)؛ ولأنه مُعَدٌّ لاستعمال مباح كالعوامل من البقر والإبل، وهذا أظهر القولين.
¬__________
(¬1) أخرجه البيهقي (4/ 146) والشافعي (634) وانظر تعليق التعليق (3/ 35 - 36) للحافظ ابن حجر.
(¬2) قال الحافظ التلخيص لم أجده، أخرجه البيهقي من قول سعيد بن جببر (4/ 164)، وانظر التلخيص (2/ 177).
(¬3) بضم أوله وكسره مع كسر اللام وتشديد الياء واحد حلي بفتح الحاء وسكون اللام وهو على فعول جمع حلي كثدي جمع ثدي وهو ما تتحلى به المرأة. حواشي التحفة (3/ 270)، مغني المحتاج (1/ 390)، نهاية المحتاج (3/ 88)، المحلى على المنهاج (2/ 23).
(¬4) أثر عمر أخرجه البيهقي عنه بإسناد مرسل (4/ 139) وأما أثر ابن عباس قال الشافعي لا أدري أيثبت عنه أم لا، وحكاه ابن المنذر أيضاً، والبيهقي عن ابن عباس. وأثر ابن مسعود، رواه الطبراني والبيهقي من حديثه انظر التلخيص (2/ 177).
(¬5) أخرجه الترمذي (637) وفيه ابن لهيعة، وأخرجه أبو داود (1563) والنسائي (5/ 38) وغيرهما بإسناد حسن، انظر التلخيص (2/ 175).
(¬6) أخرجه مالك والبيهقي، انظر التلخيص (2/ 177 - 178) وأثر جابر أخرجه البيهقي بإسناد صحيح، وأثر عائشة أخرجه مالك والشافعي، انظر خلاصة البدر والتلخيص المصدر السابق.
(¬7) رواه البيهقي من رواية جابر وقال: لا أصل له، وفقهاؤنا يروونه مرفوعاً ولا أصل له وإنما يروى عن جابر من قوله غير مرفوع، ومال إلى تصحيحه مرفوعاً ابن الجوزي في تحقيق ثم المنذري وفيه نظر وانظر التلخيص (2/ 176).

الصفحة 94