كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

والهِرَّة، وكذا القِرْد، فإنه يتعلّم الأشياء فيعلم، ويجوز أيضاً بيع دود القَزِّ لما فيه من المنفعة، وبيع النَّخْل في الكِوَارَةِ صحيح، إن كان قد شاهد جميعها، وإلاَّ فهو من صورة بيع الغائب، وإن باعها وهي طائرة من الكِوَارَة، فمنهم من صحح البيع كبيع النَّعم المُسَيَّبة في الصَّحْراء، وهذا ما أورده في "التَّتِمة"، ومنهم من منعه إذ لا قدرة على التَّسْليم في الحال، والعود غير موثوق، وهذا ما أورده في "التهذيب" (¬1).
والضرب الثاني: ما لا يُنْتَفع به فلا يجوز بيعه، كالخَنَافِس والعَقَارب والحَيَّات وكالفَأْرَة والنَّمْل ونحوها، ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص؛ فإن تلك المنافع لا تلحقها بما يبعد في العادة مالاً، وفي معناها السِّبَاع التي لا تصلح للاصْطِياد والقتال عليها الأَسَد والذِّئْب وَالنَّمِر ولا نظر إلى اقتناء الملوك للهَيْبَة والسياسة، فليست هي من المنافع المعتبرة، ونقل أبو الحسن العبادي وجهاً: أنه يجوز بيع النمل؛ بـ"عسكر مُكرَم" (¬2)، لأنه يعالج به السكر، وبـ"نصيبين" (¬3) لأنه تعالج به العَقَارب الطيَّارة.
¬__________
(¬1) الأصح الصحة قاله النووي (3/ 15).
(¬2) بضم الميم، وسكون الكاف، وفتح الراء، وهو مُفْعَل من الكرامة: وهو بلد مشهور من نواحي خوزستان منسوب إلى مكرم بن معزاء الحارث أحد بني جَعْوَنَة بن الحارث بن نُمَيْر بن عامر بن صعصعة، وقال حمزة الأصبهاني: رُسْتَقُباذ تعريب رُستَم كُوَاد، وهو اسم. مدينة من مدن خوزستان خربها العرب في صدر الإسلام ثم اختطت بالقرب منها المدبنة التي كانت مُعَسكر مكرم بن معزاء الحارث صاحب الحجاج بن يوسف، وقيل: بل مكرمٌ مولى كان للحجاج أرسله الحجاج بن يوسف لمحاربة خُرزاد بن باس حين عصى ولحق بإيذَج وتحصن في قلعة تعرف به، فلما طال عليه الحصار نزل مستخفياً ليلحق بعبد الملك بن مروان فظفر به مكرم ومعه دُرّتان في قلنسوته فأخذه وبعث به إلى الحجاج، وكانت هناك قرية قديمة فبناها مكرم ولم يزل يبني ويزيد حتى جعلها مدينة وسماها عسكر مكرم وبها عقارب جرارات عظيمة يعالج بلذعها المفلوجون، حكى الفقيه عبد الوهاب بن محمد العسكري أن مفلوجاً من أصبهان حمل إلى عسكر مكرم، ليعالج بلذع العقارب فطرح على باب خان من الجانب الشرقي، وقد فزعت وهجرت لكثرة ما بها من الجرارات، فرأيت العليل طريحاً بها لا يمكنه أن ينقلب من جنب إلى جنب ولا أن يتكلم، فبات بها ليلة، فلما كان الغد وجدوه جالساً يتكلم فصيحاً وقام ومشى، فقال له الطبيب: انتقل الآن من هذا المكان، فإنه لذعتك واحدة أبرأتك وقام بحرارتها برد الفالج، فإن لذعتك أخرى تقتلك، فانتقل من هذا الموضع وصلح حاله. ينظر معجم البلدان (4/ 139)، آثار البلاد (222).
(¬3) [نَصِيبِين: بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح، ومن العرب من يجعلها بمنزلة الجمع فيعربها في الرفع بالواو وفي الجر والنصب بالياء، والأكثر يقولون نصيبين ويجعلونها بمنزلة ما لا ينصرف من الأسماء، والنسبة إليها نصيبيّ ونصيبينيّ، فمن قال نصيبينيّ أجراه مجرى ما لا ينصرف وألزمه الطريقة الواحدة مما ذكرنا، ومن قال نصيبي جعله بمنزلة الجمع ثم ردّه إلى واحدة ونسب إليه: وهي مدينة عامر من بلاد الجزيرة على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام بينها وبين سنجار تسعة فراسخ، وبينها وبين الموصل ستة أيام، وبين دُنَيْسر يومان عشرة فراسخ، =

الصفحة 28