كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

ولو عيَّن نصفاً أو ربعاً وباعه لم يصح؛ لأن التسليم لا يمكن إلا بالقَطْع والكسر، وفيه نقص وتضييع للمال، ولو باع ذراعاً فصاعداً من ثوب نظر إن لم يعيّن الذّراع فسنذكره من بعد -إن شاء الله تعالى-، وإن عيّن نظر إن كان الثوب نفيساً ينقص ثمنه بالقطع، فهل يصح البيع؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصَّبَّاغ وغيره:
أحدهما: نعم -وبه قال صاحب "التقريب"- كما لو باع ذراعاً معيناً من أرض أو دار.
وأظهرهما: وهو الذي أورده الشيخ أبو حامد وحكاه صاحب "التلخيص" عن نصه: لا؛ لأنه لا يمكن التسليم إلا باحتمال النُّقْصَان والضَّرر، وفرقوا بينه وبين الأرض بأن التَّمييز في الأرض يحصل بالعلامة بين النَّصِيبَيْن من غير ضرر، ولمن نصر الأول أن يقول: قد تتضيّق مَرَافق البُقْعَة بالعلامة وتنقص القيمة، فوجب أن يكون الحكم في الأرض على التَّفْصيل أيضاً.
واعترض ابن الصَّبَّاغ على معنى الضَّرَر بأنهما إذا رضيا به واحتملاه وجب أن يصحّ البيع، كما يصح بيع أحد زوجي الخُفِّ وإن نقص تفريقهما من قيمتهما، والقياس طرد الوجهين في صورة السَّيف والإناء؛ لأن المعنى لا يختلف، وإن كان الثوب مما لا ينقص بالفصل والقطع كالكِرْبَاسِ الصَّفِيق، فقد حكى صاحب الكتاب وشيخه فيه وجهين:
أصحهما: وهو الذي أورده الجمهور: أنه يصح، لزوال المعنى المذكور.
والثاني: المنع؛ لأن التفصيل لا يَخْلُو عن تغيير لغير المبيع، وهذا فيما أورده الإمام، واختيار صاحب "التلخيص"، وكان سببه إطلاق لفظه في "التلخيص" بعد ذكر لو باع ذراعاً من الأرض قال: ولو قال ذلك في الثوب، لم يجز قاله نصا، وأيضاً قال في "المفتاح" من ثوب ذراعاً على أن يقطعه لم يَجُزْ بحال، إلاَّ أنَّ الأكثرين حملوا كلامه على الثوب الذي ينقص بالفصل، ولو باع جزءاً معيناً من جدار أو أُسْطُوَانة، نظر إن كان فوقه شيء لم يجز؛ لأنه لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه، وإن لم يكن نظر إن كان قطعة واحدة من طين أو خشب أو غيرهما لم يجز، وإن كان من لَبِن أو آجُرِّ هكذا أطلق في "التلخيص"، وهو محمول عند الأئمة على ما لو جعل في النهاية شق نصف من الآجُرِّ واللَّبِن دون أن يجعل المقطع نصف سمكها، وفي تجويز البيع إذا كان من لَبِن أو آجُرِّ إشكال، وإن جُعل النهاية ما ذكروه من وجهين:
أحدهما: أن موضع الشَّق قطعة واحدة من طين أو غيره، فالفصل الوارد عليه وارد على ما هو قطعة واحدة.

الصفحة 37