كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

والثاني: هَبْ أنه ليس كذلك لكن رفع بعض الجدار ينقص قيمة الباقي، وإن لم يكن قطعة واحدة فليفسد البيع، ولهذا قالوا: لو باع جذعاً في بناءٍ لم يصح؛ لأن الهدم يوجب النقصان، فأي فرق بين الجِذْع والآجُرِّ، وكذا لو باع فَصّاً في خَاتَم، وذكر بعض الشارحين لـ"المفتاح" في تفاريع هذه المسألة: أنه لو باع داراً إلاَّ بيتاً في صدرها لا يَلِي شارعاً ولا ملكاً له على أنه لا ممرَّ له في المبيع لا يصح البيع، وهذا باب في فتحه بعد، ويتأكد بمثله المَيْل إلى الوجه الذي نصره ابن الصباغ.
المسألة الثانية: لا يصح بيع المَرْهُون بعد الإقباض وقَبل الانفِكَاك (¬1) لأنه عاجز عن تسليمه شرعاً لما فيه من تفويت حق المُرْتهن.
الثالثة: الجناية الصادرة من العبد قد تقتضي المال، إما متعلقاً برقبته أو بذمته، وقد تقتضي القصاص، وموضع تفصيله غير هذا، فإن أوجبت المال متعلقاً بذمته لم يقدح ذلك في البيع بحال، وإن أوجبته متعلقاً برقبته، فهل صح بيعه؟ نظر إنْ باعه بعد اختيار الفداء فنعم، هكذا أطلقه في "التهذيب" (¬2) وإتباعه قبله وهو معسر فَلاَ لما فيه من إبطال حتى المَجْنِي عليه، ومنهم من طرد الخلاف الذي نذكره في المُوْسِر، وحَكَم بثبوت الخِيَار للمجني عليه إن صح، وإن كان موسراً فطريقان:
أصحهما: أن المسألة على قولين:
أصحهما: أنه لا يصح البيع؛ لأن حق المجني عليه متعلّق به فمنع صحة بيعه كحق المرتهن في المرهون بل أولى، لأن حق المجني عليه أقوى، ألا ترى أنه إذا جنى العبد المرهون تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن.
¬__________
(¬1) صورة المسألة أن يبيعه لغير مرتهنه فإن باعه لمرتهنه وتردد الشيخ أبو محمد فيما إذا أوجب الراهن أولاً. قال الأذرعي: واعلم أن توقف البيع على إذن المرتهن ليس على إطلاقه كما سنوضحه في بابه -إن شاء الله تعالى- ونعجل أنه لو جنى المرهون والأرش يصير تبع منه بقدره وإن تعذر بيع بعضه أو نقص بالتبعيض بيع كله وما فضل يكون رهناً. أعلم أن هذه المسألة قد أعادها المصنف في "باب الرهن" مستوفاة فراجعها منه.
(¬2) الأصح أن السيد إذا اختار الفداء لا يلزمه لأنه وعد مجرد فالذي في التهذيب إنما يتجه إذا قلنا إن الفداء يلزم ونبه عليه جماعة منهم الشيخ الإمام السبكي وغيره. واعلم أن محل المنع كما قال في الخادم إذا باعه لغير المجني عليه فإن باعه للمجني عليه بالأرش فإن جهلاً أو أحدهما عدد الإبل الواجبة إرشاداً أو أسنانها لم يصح الشراء وإن علماه ولم يبق إلا الجهل بأوصافها ففي صحة الشراء الخلاف في مصالحة المجني عليه عن إبل الدية على مال كذا قاله الرافعي في الفروع المنثورة قبيل كتاب الديات. وقال في البحر: هناك المنصوص صحة البيع كالمرهون من مرتهنه، وقال أبو إسحاق: لا يجوز بيعه قطعاً. انتهى. وإطلاق النص يقتضي الصحة مطلقاً سواء باعه بغير أرش الجناية أم بأرشه.

الصفحة 38