كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

وقال قائلون: الخبر ينفي احتمال الاستثناء مطلقاً، فإن ترك العمل به في موضع وجب ألاّ يترك هاهنا -والله أعلم-.
قال الغزالي: أَمَّا الصِّفَةُ فَفِي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَتِهَا بِالعِيَانِ قَوْلاَنِ، اخْتَارَ المُزَنِيُّ الاشْتِرَاطَ وَأَبْطَلَ بَيْعَ (ح م) مَا لَمْ يَرَهُ وَشِرَاءَهُ وَلَعَلَّهُ أَصَحُّ القَوْلَيْنِ، وَفي الهِبَةِ قَوْلاَنِ مُرَتَّبَانِ، وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَعَلَى القَوْلَيْنِ يُخَرَّجُ شِرَاءُ الأَعْمَى؛ لأنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالرُّؤْيَةِ وَالفسْخِ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، وَيصِحُّ سَلَمُ الأَعْمَى اعْتِمَاداً عَلَى الوَصْفِ، وَكَذَلِكَ الأكْمَةَ إلاَّ عَلَى رَأْي المُزَنِيِّ فَإنَّهُ أَوَّلَ كَلاَمُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى غيْرِ الأكْمَهِ.
قال الرافعي: في الفصل مسائل:
إحداها: في بيع الأعيان الغائبة والحاضرة التي لم تر قولان، قال في القديم وفي "الإملاء" والصَّرْف من الجديد: إنه صحيح، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنِ اشْتَرَى شيئاً لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إِذَا رَآهُ" (¬1) ومعلوم أن الخِيَار إنما يثبت في العقود الصحيحة؛ ولأنه عقد مُعَاوضة فلم يكن من شرطه رؤية المعقود عليه كالنِّكاح.
وقال في "الأم" والبُويطِيّ: لا يصح، وهو اختيار المزني، ووجهه أنه بيع غَرَر، وقد "نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" (¬2).
ولأنه بَيْعٌ مجهول الصِّفة عند العاقد حال العقد فلم يصح بيعه، كما لو أسلم في شيء ولم يصفه، واشتهر القول الأول بالقديم والثاني بالجديد، واختلفوا في محلّهما على طريقين:
أصحهما: عند ابن الصِّبَّاغ وصاحب "التتمة" وغيرهما: أن القولين مُطَّردان في المبيع الذي لم يره المتبايعان كلاهما، وفيما لم يكره أحدهما.
والثاني: أن القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشتري، أما إذا لم يشاهده البائع فالبيع باطل قولاً واحداً؛ لأن الاجتناب عن هذا الغَرَر سهل على البائع، فإنه المالك والمتصرّف في المبيع، ومنهم من جعل البيع أوْلى بالصِّحة؛ لأن البائع معرض عن الملك والمشتري محصل له فهو أجدر بالاحْتِياط، وهذا يوجب خروج طريقة ثالثة وهي: القطع بالصحة إذا رآه المشتري، وتخصيص الخلاف فيما إذا لم يكره، وفي
¬__________
(¬1) أخرجه الدارقطني (3/ 4 - 5) والبيهقي (5/ 268) وقال الدارقطني باطل.
(¬2) أخرجه مسلم (1513) من أبي.

الصفحة 51