كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

وقوله: "فإنه أول كلام الشَّافعي -رضي الله عنه- على غير الأَكْمَه" أراد به أن الشَّافعي -رضي الله عنه- أطلق القول في جواز سلم الأعمى، فقال المُزنِيُّ في "مختصر سننه": أن يكون أراد الشافعي -رضي الله عنه- لمعرفتي بلفظ الأعمى الذي عرف الألوان قبل أن يعمى، وأَمَّا من خُلِقَ أعمى فإنه لا معرفة له بالأَلْوَان وحكم بفساد سلمه.
قال الغزالي: التَّفْرِيعُ: إِنْ شَرَطْنَا الرُّؤْيةَ فَالرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ كَالمقَارَنَةِ (و) فِيمَا لاَ يَتَغَيَّرُ غَالِباً، وَلَيْسَ اسْتِقْصَاء الوَصْفِ كَالرُّؤْيَةِ عَلَى الأظْهَرِ، وَرُؤْيَة بَعْضِ المَبِيعِ كَافِيَةٌ إِنْ دَلَّ عَلَى البَاقِي لِكَوْنهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ كَانَ صُوَاناً لَهُ خِلْقَةٌ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالبَيْضِ.
قال الرافعي: لما فرغ من ذكر القولين في شراء الغائِب والصّور المُلْحقة به أراد أن يفرع عليها، فعد في هذا الفصل فروعاً على قولنا باشتراط الرُّؤْية، وفي الفصل الذي يليه فروعاً على القول المقابل له. فأما فروع هذا الفصل الذي ذكرها فهي ثلاثة:
أحدها: لو اشترى غائباً رآه قبل العقد نظر إن كان ممَّا لا يتغير غالباً كالأَرَاضي والأَوَاني والحَدِيد والنَّحَاس، ونحوها، أو كان لا يتغير في المدة المتخلّلة بين الرّؤية والشِّراء صح العقد لحصول العلم الذي هو المقصود (¬1).
¬__________
(¬1) قال الشيخ الإسنوي في المهمات: صورته أن يخلط الأنموذج بالصبرة قبل البيع فإن أدخله في البيع ولم يدخله في الصبرة فيكون بمنزلة عينين رأى أحدهما. ذكره البغوي في الفتاوى، وهو متعين لا شك فيه. قال الأذرعي: واعلم أن لفظ الفتاوي إذا أخرج كفاً من جوالق وياعه ما في الجوالق جوزه الشيخ القفال وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- ولم يجوزه أصحابنا لأن المبيع غير المرمي ولو باع الكلف مع ما في الجوالق لا يخلو إما أن يرد إليه ثم باعه أو لم يرد، فإن رد إليه ثم باعه فهو كما لو باعه شيئاً رأى بعضه دون بعض ولا يكون كصبرة رأى بعضها لأنه رأى الكف متميزاً وإن لم يرد إليه وباعهما فهو كما لو باع عينين رأى إحداهما دون الأخرى. قال: وكذلك صبرة من حنطة جعلها صبرتين ثم رأى إحداهما ثم باعهما فيكون كمن باع عينين رأى أحداهما دون الأخرى ولا يجعل كصبرة واحدة رأى ظاهرها لأن المرئي متميز عن غير المرئي وشرط صحة العقد في رؤية البعض أن لا يتميز المرئي عن غير المرئي أو يكون المرئي من صلاح غير المرئي كالجوز يرى قشره يجوز أن يكون مما يستدل برؤيته بعضه على رؤية كله لكونها غير مختلفة في الغالب كالصبرة من الحنطة فإذا تميز لا يجوز كما إذا رأى شيئاً لا يستدل برؤية بعضه على رؤية كله كصبرة البطيخ فالمتميز مشاهد فيما لا يختلف صفاته ينزل منزلة تميز الصفات، ولو جعل الصبرة صبرتين فأراه إحداهما ثم خلطهما فهو كما لو رأى بعض المبيع. انتهى. قال الأذرعي: وإذا تأملت كلامه علمت أن ما نقله الأسنوي عنه غير سديد بل قضية كلامه أنه لا يصح البيع لا بعد الرد ولا قبله بخلاف رؤية ظاهر الصبرة وإن الأصحاب على خلاف ما قاله القفال، وكلام القاضي في التعليق يوافق كلام البغوي وترجيح المنع خلافاً للقفال.

الصفحة 54