كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

فإن قلنا بالأول فالمُدَّعِي الرَّاهِنُ؛ لأنه قد يَدَّعِي جريان القَبْضُ الصَّحِيح، والأصل عَدَمُه، فيكون القولُ قولَ المُرْتَهِنِ.
وإن قلنا بالثاني، فالمُدَّعِي المرتهن؛ لأنه لو سَكَت لترك، والراهن لا يترك لو
__________
= والمدعى عليه من ينفي شيئاً. ومنهم من قال: المدعي من يقول بالاختيار، والمدعى عليه من يجيب بالاضطرار. ومنهم من قال: المدعي من إذا سكت ترك وسكوته، والمدعى عليه من لا يترك وسكرته، وهذه عبارة الحنفية وهي معنى العبارة الثانية بعينها، وإنما اختلفت العبارة. وقال الإمام: المدعي عند أبي حنيفة من يثبت الشيء لنفسه، والمدعى عليه من يثبته عن غيره، وفي نسخة أخرى: من ينفيه عن غيره. هذا نقل الإمام عن ذلك الحبر الإمام، ولم يزد عليه شيئاً مع شدة تتبعه كلام من تقدمه بالبحث والتحقيق. وهذا الحد باطل في الطرفين: أما قوله: "المدعي من يثبت الشيء لنفسه"، فيزيد بالشيء المدعى به، وهو باطل بدعوى الوصي للموصى عليه المحجور عليه على الغير مالا، أو غيره، فإنه مدع بالاجماع، مع أنه يثبت الشيء المدعى به لغيره. وهكذا القيم من جهة الحاكم على المحجور عليهم. وهكذا الناظر في الوقف. وهكذا الوكيل يثبت المدعى به للموكل لا لنفسه. ولا يقال: مراده بالشيء الذي يثبته للسلطنة، واستحقاق قبضه وتسلمه أن يثبت، لأنا نقول: السلطنة ثابتة قبل هذه الدعوى، لأن الكلام مفروض في دعوى وصي ثابت الوصية عند الحاكم، وكذلك القيم والناظر والوكيل سلطنتهم ثابتة، بمعنى أن كل أمر تحقق أنه للمحجور عليه، أو للموكل، أو للموقوف عليهم، تسلط هؤلاء شرعاً على قبضه، فهو لا يثبت بالدعوى سلطنة، ولا السلطنة يدعي بها، وإنما المدعى به هو المال في الذمة، أو الثوب المعين مثلاً، وهو الشيء الذي يثبته. نعم إذا ثبت عند الحاكم، تسلط هذا المدعي على قبضه لا بدعواه، بل بالتسليط السابق على هذه الدعوى الثابت بوصية، أو نظر، أو وكالة. وأما الطرف الثاني: وهو قوله: "والمدعى عليه من يثبته غيره"، على النسخة الأولى، فبطلان هذا أظهر من الكلام عليه، فإن المدعى عليه بمال في ذمته ينفي استحقاق المدعى له، فلا يثبت شيئاً. فإن قيل: هو وإن نفى الاستحقاق، لكنه يثبت براءة ذمته، فهو مثبت، قلنا: عنه جوابان: أحدهما: أن البراءة الأصلية حاصلة بالأصل واستصحابه، فهي ثابتة، وهو غير محتاج إلى إثباتها، وإنما هو ناف ما يشغلها. والثاني: هب أنه مثبت براءة نفسه وذمته، فهل هو مثبت للشيء عن غيره؟ كلا، فهذا حد باطل. وعلى النسخة الأخرى، وهو: "ينفيه عن غيره" باطل، وإنما هو ينفيه عن نفسه. وعندي أن هذا زال من النساخ، فإن منصب هذا الإمام أجل من قول مثل هذا. وقال بعض الأصحاب: المدعي من يدعي أمراً باطناً خفياً، والمدعى عليه من يدعي أمراً ظاهراً جلياً. وهذا الحد مع الحد الذي سبق ذكره، "وهو أن المدعي من يخلى وسكوته والمدعى عليه من لا يخلى وسكوته"، مستنبطان من مسألة استنبطها الشيخ القفال وهي، ما إذا كان الزوجان مشركين، ثم أسلما قبل الدخول، ثم اختلفا، فقال الزوج: أسلمنا معاً، فنحن على الزوجية، وقالت المرأة: أسلم أحدنا قبل صاحبه فقد بطل نكاحنا، ففيه قولان: أحدهما: إن القول قول الزوج، لأن الأصل بقاء النكاح، وهذا على قولنا: إن المدعي من يترك وسكوته، فإن المرأة هي التي بهذه الصفة، وهي مدعية. والقول الثاني: إن القول قول الزوجة، وهذا على قولنا: إن المدعي هو الذي يدعي أمراً باطناً خفياً يخالف الظاهر، والزوج هاهنا هو الذي بهذه الصفة، لأن اتفاقهما على الإسلام في حالة واحدة بحيث لم يسبق أحدهما الآخر، خلاف الظاهر.

الصفحة 543